[حفظ الله لمن حفظه]
وكثير من الناس يستفيق لكن في الوقت الضائع.
ففرعون استفاق، لكن متى استفاق؟ استفاق لما أصبح أنفه في الطين، وقد أصبح مع ضفدعة مسيلمة الكذاب التي يقول عنها: نقنقي ما تنقنقين، أعلاك في الماء وأسفلكِ في الطين.
ويقول: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:٥١] فأجراها الله من فوق رأسه، فلما أصبح في الطين قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:٩٠] قال الله: آلآن يا دجال؟! آلآن يا ضائع؟! آلآن يا مسود وجه التاريخ ومضيع القيم، ويا سافك الدماء ويا صاحب الصحيفة السوداء؟! أتتذكر الله الآن؟!
هذا مثل ما يفعل بعض الناس حيث يفجر ويعربد ويرقص ويلهو ويلغو؛ فإذا حضرته سكرات الموت استفاق، لكنه لو أصلح في الرخاء تولاه الله في الشدة للحديث الصحيح: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}.
يونس عليه السلام حفظ الله في الرخاء وسبح في الرخاء، وركب البحر مغاضباً وما استأذن الله، فألقي في البحر؛ فأصبح في ظلمات ثلاث: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة الحوت، فمن ينادي؟ لا قريب، لا أخ، لا صاحب، تذكر الواحد الأحد.
سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولم يزل مهما هفا العبد عفا
يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا
من أحسن الظن بذي العرش جنى حلو الجنى الشائك من شوك السفا
فتذكر الله في ظلمة الليل.
كأن رقيباً منك يرعى خواطري وآخر يرعى مسمعي وجناني
فقال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:٨٧].
فقال الله: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات:١٤٣].
رصيده طيب، أيامه بيضاء، أعماله صالحة، كان يحفظ الله ولن يضيعه الله، فحفظه الله وتولاه بذلك.
ذكروا عن أبي الطيب الطبري أحد علماء الشافعية، وهو شيخ أبي إسحاق الشيرازي، كان في الثمانين من عمره، فوثب من سفينة عند الشاطئ إلى الشاطئ، وأتى الشباب يثبون فما استطاعوا، قالوا: كيف تقفز أنت وأنت شيخ كبير؟ قال: هذه أعضاء حفظناها في الصغر؛ فحفظها الله لنا في الكبر.
العين خلقت لك يا بن آدم للتدبر بها في الكائنات؛ ولتقرأ في كتاب الكون؛ ولتتأمل مخلوقات الواحد الأحد.
وكتابي الفضاء أقرأ فيه صوراً ما قرأتها في كتابي
والقلب خلق لتغرس فيه لا إله إلا الله تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، والجبين خلق لتسجد به لله الواحد الأحد، فوالله ثم والله، وايم الله وتالله، وبالله إن الذي لا يسجد لله سوف يسجد لشهوته ولشيطانه ولحذائه ولمنصبه ولوظيفته.
ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً
ذكروا عن البخاري أنه قال: الحمد لله ما اغتبت أحداً منذ بلغت الحلم.
من يوم بلغ الحلم إلى أن مات ما اغتاب مسلماً، قالوا: وقولك في الرجال وجرحك؟ قال: لا.
ليس هذا من هذا، يقول عليه الصلاة والسلام: {ائذنوا له بئس أخو العشيرة} إنما يحفظ الدين بهذا الجرح والتعديل.
قال أحد الصالحين يحرض أبناءه: ما حلفت بالله صادقاً ولا كاذباً أبداً وقاراً لليمين بالله.
أي خُلُق هذا؟! وأي استعداد هذا؟!
قيل لـ محمد بن واسع الأزدي أحد الصالحين: مالك لا تتكئ وترتاح؟ قال: أما أنا فخائف، ولا يتكئ إلا الآمن، لا أتكئ؛ أنا ما جزت الصراط، ولا وقفت عند تطاير الصحف، ولا أدري هل أساق إلى جنة أو إلى نار.
قلوب عرفت الله، فاستنارت بنور الله، وذهبت في طريق الله، ورفعت لا إله إلا الله.