حقيقة الذين بدلوا نعمة الله كفراً
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير، الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، والصلاة والسلام على معلم الخير وهادي البشر، ما اتصلت أذن بخبر، وعين بنظر، وما تألق ورق على شجر، وما هطل مطر وانهمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد:
فعنوان هذا الدرس: (الذين بدلوا نعمة الله كفراً).
من هم الذين بدلوا نعمة الله كفراً؟ هو الذي ترك النعمة وراء ظهره، وارتكس على رأسه، واستدبر الصراط المستقيم، واتخذ كتاب الله ظهريا، إنه صنف من الناس يتكرر، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم:٢٨].
والخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام، وصح عن ابن عباس أنه قال: [[الذين بدلوا نعمة الله كفراً هم قريش؛ أتاهم محمد عليه الصلاة والسلام، فكذبوه ولم يطيعوه، فبدلوا نعمة الله كفراً]].
وأقول: بل قال كثير من العلماء: كل من أعرض عن كتاب الله عز وجل وعن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام فهو من الذين بدلوا نعمة الله كفراً.
وانظر إلى أسلوب القرآن الجميل الرائع؛ رؤى وأشواق ومرئيات، ألم تر يا محمد إلى الذين بدلوا نعمت الله كفراً، ولم يقل نعم الله؛ لأن نعمة الله لا يؤدى شكرها، فكيف إذا ذكرت النعم، ولذلك قال الله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:١٨] ولم يقل: نعم الله؛ لأن الناس إذا لم يستطيعوا لنعمة واحدة فما بالك إذا كانت نعماً.
وعند أحمد في كتاب الزهد بسند جيد مرفوعاً إلى رب العزة تبارك وتعالى أنه قال: {عجباً لك يا بن آدم، خلقتك وتعبد غيري! ورزقتك وتشكر سواي! أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إليَّ بالمعاصي وأنت فقير إليَّ، خيري إليك نازل، وشرُّك إلي صاعد} وهذا شأن العبد يوم يترك منهج الله عز وجل، ويرتكس ويعرض عن الطريق المستقيم الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام.
يا مسلمون! يا صادقون! أبواب الجنة أغلقت من يوم بعث محمد عليه الصلاة والسلام، أغلقت فلا يدخل الداخل إلا من طريقه:
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا
عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً إلى محمد عليه الصلاة والسلام: قال: {قال الله تعالى: يسبني ابن آدم} سبحان الله! للحديث قصة لكن قصتها لم يوردها البخاري أوردها أهل السير:
موسى بن عمران عليه السلام كان جريئاً شجاعاً في الأسئلة هو الذي يقول: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:١٤٣] لم يقلها أحد من الناس، ولكن قالها موسى عليه السلام.
يقول في
السؤال
يا رب! أسألك مسألة، قال: ما هي يا موسى؟ قال: أن تمنع ألسنة الناس أن يتكلموا في أي: ألا يغتابوني، قال الله عز وجل: يا موسى! ما اتخذت ذلك لنفسي، إني أرزقهم وقد خلقتهم وأعافيهم ويقولون: إني اتخذت صاحبة وولداً، وأنا الله لا إله إلا أنا لم أتخذ صاحبة ولا ولداً، ولكن لفظ البخاري {يسبني ابن آدم وما كان له ذلك، ويشتمني ابن آدم وما كان له ذلك، أما سبه إياي، فيسب الدهر وأنا الدهر أقلِّب الليل والنهار كيف أشاء، وأما شتمه إياي فيقول: إني اتخذت صاحبة وولداً، ولم أتخذ صاحبة ولا ولداً} هذا بلفظ.
أيها المسلمون! كثر الكفران بالنعم، ولكن في هذه المحاضرة مسائل منها:
العنصر الأول: آثار.
والعنصر الثاني: نداءات.
والعنصر الثالث: شكر النعم.
والعنصر الرابع: النعمة الحقيقة.
والعنصر الخامس: كفران النعم.