[نموذج للعفو والتسامح]
عند البخاري في الصحيح: أن الصحابة اجتمعوا في مجلس يتشاورون في أمر الحرب, وكان معهم خالد بن الوليد سيف الله الذي خاض مائة معركة ما هزمت له راية أبداً, ومعهم بلال بن رباح , المولى العبد الذي رفعه الإسلام حتى أصبح سيداً من السادات, مؤذن الأرض لنداء السماء, ومعهم أبو ذر؛ فتكلم بلال فرد عليه أبو ذر قائلاً: حتى أنت يابن السوداء, وهذه الكلمة سيئة, ولا تغتفر في الإسلام إلا بالتوبة والاستغفار, لماذا أديننا دين الألوان؟ أديننا دين التحزبات والعصبيات الجاهلية؟ أديننا دين الأسر التي تبني مجدها على جماجم الناس؟ لا والله, ديننا دين إخاء وحب.
فذهب بلال وقال: والله لأرفعنك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام, وذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبره, وقال: يا رسول الله! تكلمت فقال لي كذا وكذا , فاحمر وجهه عليه الصلاة والسلام, فاستدعى أبا ذر , قال أبو ذر: {والله ما علمت هل رد عليّ السلام أو لا من الغضب, ثم قال: أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية قال: يا رسول الله! أعلى كبر سني وشيبتي؟ قال: نعم إنك امرؤ فيك جاهلية} فخرج أبو ذر وقال: لا جرم والله لأنصفن بلالاً من نفسي, وأقبل بلال يمشي في الطريق فوضع أبو ذر رأسه على التراب, وقال: طأ يا بلال رأسي برجلك, لا أرفع رأسي حتى تطأه برجلك, فرجلك أكرم من رأسي -فماذا فعل بلال؟ - فبكى بلال! وقال: والله لا أطأ رأسك أنت أخي وحبيبي, فتعانقا والتزما وبكيا.
إذا اقتتلت يوماً ففاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها
يقول سبحانه عن المؤمنين: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:٥٤] أذلة جمع ذليل, أي: أنه ذليل مع إخوانه, وأما مع الكفار فعزيز قوي, لكن الجاهلية عكس هذه الصورة؛ فإنها جعلت من الإنسان أسداً هصوراً على جيرانه وأرحامه وقبيلته, وذليلاً مخادعاً جباناً أمام الكفار والأعداء, فنسأل الله أن يصلح الحال.
ويقول سحبانه في أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:٢٩].