[ما نزل فيه من القرآن]
وأما ما نزل في مدحه من القرآن، فإنه كثير كثير، واسمع إلى الآيات المباركات.
قال سبحانه: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} [التوبة:٤٠] أجمع المسلمون على أن الصاحب المذكور هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} [التوبة:٤٠] قال: [[على أبي بكر، أما الرسول عليه الصلاة والسلام فإن السكينة لم تزل عليه]] أي: لم تزل عليه من قبل، لكن أنزلها الله -وهذا رأي ابن عباس - على أبي بكر لأنه خاص.
فرق بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر، الرسول صلى الله عليه وسلم يتصل بالله صباح مساء، والملائكة تنزل عليه، وأبو بكر ليس هناك وحي ينزل عليه، فأنزل الله السكينة عليه وثبته؛ لأنه موطن يخيف.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود أن أبا بكر اشترى بلالاً من أمية بن خلف وأبي بن خلف ببردة وعشر أواقٍ من فضة، فأعتقه لله، فأنزل الله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل:١] إلى قوله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل:٤] سعي أبي بكر وأمية وأبي، سعي أبي بكر إلى الجنة، وسعي أمية وأبي إلى النار، سعي هذا في رفع لا إله إلا الله، وسعي أولئك في رفع (لا إله والحياة مادة) والضلالة والزندقة والانحراف.
وفيه نزلت: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل:٥] كما ذكر ابن جرير في التفسير؛ نزلت في أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.
{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل:١٧] ذكر ابن أبي حاتم والطبراني أنها نزلت في أبي بكر.
{وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل:١٩] نزلت في أبي بكر الذي أنفق أمواله وما كان ينتظر من أحد شكراً ولا ثواباً، كان يعطي أمواله.
وكان أبو بكر كما ذكر عنه، إذا أظلم الليل ونام الناس قام بالطعام فحمله وأعطاه، وكانت تسأله العجوز من أنت؟
فيقول: رجل من المسلمين، ولا يهمه أن تعرفه العجوز فالله يعرفه.
قتل شهداء في قندهار في عهد عمر وقندهار في أفغانستان، قال عمر: من القتلى؟
قالوا: فلان وفلان وفلان، وأناس ما عرفناهم يا أمير المؤمنين، فبكى عمر وقال: ولكن الله يعرفهم.
بـ قندهار ومن تكتب منيته بـ قندهار يرجم دونه الخبر
كان ابن المبارك إذا قاتل في سبيل الله في المعركة غطى وجهه ما تظهر إلا عيناه، فيقال له: مالك؟
قال: ليعرفني الله فقط، الدعايات محبطات، أن تبذل عملاً ثم تدعو الناس وتقول انظروا ماذا فعلت وماذا بذلت، التعداد هذا إحباط المسيرة، ولذلك لا يجعل الله لمن ادعى عملاً، وشهر عمله قبولاً في الأرض.
وأخرج البزار وابن عساكر قال علي: [[والذي جاء بالحق: محمدٌ عليه الصلاة والسلام -كتبها البزار هكذا، ولكن الصحيح: والذي جاء بالصدق وصدق به- وصدق به: أبو بكر الصديق]] قال ابن عساكر: هكذا الرواية بالحق، ولعلها قراءة علي بن أبي طالب أي لعل قراءته أن يقرأ: والذي جاء بالحق وصدق به، والقراءة المشهورة {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:٣٣].
وعند الحاكم عن ابن عباس، قال: [[نزل قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:١٥٩] في أبي بكر وعمر]] أي شاور أبا بكر وعمر، والصحيح أنها عامة، لكن المهم أنه يدخل دخولاً أولياً أبو بكر وعمر.
{وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم:٤] المقصود به: أبو بكر وعمر.
وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عند عبد بن حميد عن مجاهد {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب:٥٦] قال أبو بكر: يا رسول الله! ما أنزل الله عليك خيراً إلا أشركنا فيه.
فنزلت هذه الآية {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} [الأحزاب:٤٣].
وأخرج ابن عساكر في قوله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:٤٧] نزلت في أبي بكر وعمر، والصحيح أنها عامة، وأول من يدخل فيها أبو بكر وعمر، إلى آخر ذلك من الأفضال.