يقول عقبة بن عامر أحد الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم:{يا رسول الله! ما النجاة؟ -أي: ما هو الأمر الذي ينجيني من غضب الله، ومن سخط الله، ومن عذاب الله- قال: كف عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك} وقال معاذ: {يا رسول الله! ما هو العمل الذي يقربني من الجنة ويباعدني عن النار، قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه -ثم ذكر له صلى الله عليه وسلم الأمور التي تقربه من الجنة، وتنجيه من النار- ثم قال في آخر الحديث: ألا أدلك على ملاك ذلك كله، قال: قلت: بلى يا رسول الله قال: كف عليك هذا -وأخذ بلسان نفسه- قال: أإنا لمؤاخذون يا رسول الله! بما نتكلم به، قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على مناخرهم، أو قال: على أنوفهم إلا حصائد ألسنتهم}.
فنعوذ بالله من أضرار اللسان، ولذلك عرف الصالحون ضررها وعلموا أنه لا يمكن أن تكمل تقوى الله إلا باجتناب ضرر هذه اللسان.
يقول أحد التابعين: رأيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وقد أخذ بلسان نفسه، وهو يحاسب نفسه، ويقول:[[هذا أوردني الموارد]] أي: أوردني موارد الهلاك، هذا وهو أبو بكر الصديق صاحب القدم الثابت في الإسلام، والأول استجابة من الكبار، وصاحب الإنفاق في سبيل الله، وخليفة المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يُدعى يوم القيامة من أبواب الجنة الثمانية.
لأن للجنة أبواباً ثمانية كما تعرفون، يقول عليه الصلاة والسلام:{إن للجنة أبواباً ثمانية، فمن كان من أهل الصلاة، دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، إلى آخر تلك الأبواب، فقال أبو بكر وهو بجانب الرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! أيدعى أحد من تلك الأبواب الثمانية} -انظر إلى الهمة العالية، انظر إلى طلب ما عند الله عز وجل، ولذلك هذه الهمة ليست بالأجسام، وليست بالمناصب، وليست بالأموال، ولكنها بالقلوب، همة تمر مر السحاب {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}[النمل:٨٨]-فيتبسم صلى الله عليه وسلم إعجاباً من هذا الرجل العظيم الذي يريد أن يدعى من الأبواب الثمانية، يريد أن يكون من المصلين ومن الذاكرين والمتصدقين ومن الزهاد والعباد والمجاهدين- فقال له صلى الله عليه وسلم:{نعم وأرجو أن تكون منهم} أبو بكر رضي الله عنه يقول الإمام أحمد في كتاب الزهد في ترجمة أبي بكر رضي الله عنه، أثر عنه أنه دخل مزرعة رجل من الأنصار، دخل وهو خليفة يتنزه مع الناس رضي الله عنه مع الصحابة، فلما رأى مزارع الأنصار رأى طائراً يطير من نخلة إلى نخلة ومن شجرة إلى شجرة، فجلس يبكي رضي الله عنه -وكان رجلاً حزيناً رقيق القلب، متأسفاً نادماً لما في قلبه من إيمان، ومن مخافة- فقال له الصحابة: يا خليفة رسول الله! مالك؟ قال:[[أبكي لهذا الطائر يطير من شجرة إلى شجرة، ويرد الماء ويرعى الشجر، ثم يموت لا حساب ولا عذاب، يا ليتني كنت طائراً، فبكى الصحابة رضوان الله عليهم]].