للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[البلاء يزداد على المتخلفين]

قال كعب: فخرجت إلى سوق المدينة -خرج متفرجاً، وإلا لا يبايع أحداً ولا يشاري أحدا، ً ولا يكلمه أحد، ولا يسلم عليه أحد- وبينما أنا أدور في السوق، وإذا أنا بنبطي أتى من الشام -حادثة من الحدائث، ومصيبة من المصائب وتتجمع بعض المصائب على بعض الناس في فترة واحدة- قال: وإذا هو بورقة بيده يقول: أين كعب بن مالك؟ والناس لا يتكلمون مع كعب ولكن يقولون: انظر إليه هناك.

قال: فأخذ الناس يشيرون إليَّ، فأتى وأعطاني رسالة، قال: وكنت قارئاً وكان وقليل من الصحابة من يقرأ، أمة أمية، لكن قلوبهم تقرأ؛ لأن بعض الناس يقرأ ويصدح، ولكن ليس له قلب، العين هي التي تقرأ والعين هي التي تتعلم، أما القلب فلا تعلم قال الله: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد:١٩] {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:٤٦] فليست المسألة مسألة الثقافة، بعضهم معه سبع لغات ويدخل النار من سبعة أبواب.

يقول: كنت قارئاً ففتحت الرسالة فقرأتها، فإذا هي من ملك غسان -في الشام ملك من ملوك الدنيا، لم يجد فرصة يدخل بها إلا في هذه الأزمة- فقرأ الرسالة فإذا فيها: إلى كعب بن مالك من ملك غسان، إني سمعت أن صاحبك جفاك -قاطعك- ولم يجعلك الله بدار هوان- انظر ما أحسن ذاك، وسيرة ذاك، وخلق ذاك المنافق الكبير -فالحق بنا نواسك.

الحق بنا نسعدك ونعطك من المال وتتكلم معنا، وتزورنا ونزورك، أما هذا الحال فما يصلح، يدخل من نقاط الضعف، وكان كعب رجلاً مؤمناً بالله عز وجل ورسوله واليوم والآخر قال: قلت وهذه أيضاً من البلاء، قال: فتيممت بها التنور فسجرتها -أحرقها في التنور في النار- قال: وكنت أصلي مع المسلمين، وكنت أجلد القوم، أما الرجلان الآخران فانهارا من كثرة البكاء، يقوم أحدهم يصلي في المسجد، وعظامه تتخاذل لا يستطيع، فانهار في البيت.

هذه المسألة ليست بالسهلة، تصور أن الرسول صلى الله عليه وسلم تعيش معه أو يعيش معك، ثم يقول: يا أيها الناس -في يوم الجمعة- لا تكلموا فلان ابن فلان ولا تسلموا عليه، ولا تزوروه ولا تبايعوه، ولا تشاروه، ولا تشاوروه، أي مصيبة كهذه المصيبة، الموت ولا هذا الأمر.

قال: كنت أخرج، وكنت أجلد القوم فأشد عليَّ ثيابي -كان شاباً ما يقارب ٣٥ عاماً- قال: فأصلي مع الناس، فكنت آتي والرسول صلى الله عليه وسلم جالس، فأسلم عليه فوالله ما أدري أيسلم عليَّ أم لا، إما من كثرة الحزن، وإما أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يرد، أو يرد رداً خفياً.

قال: والله لا أدري هل يرد عليَّ السلام أم لا؟ قال: فكنت إذا أقبلت إلى صلاتي سارقني النظر عليه الصلاة والسلام.

فإن كعب بن مالك يدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسارقه النظر، إذا كبر وأصبح في دعاء الاستفتاح نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم، ينظر إليه ويعرف أنه كعب، قال: فإذا سلمت أقبل صلى الله عليه وسلم على نفسه ولا ينظر إلي، وهذا جفاء تتقطع له القلوب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>