[واجبنا تجاه القرآن]
ومطالب القرآن التي تتجه إلينا ثلاثة مطالب:
الأول: أن نعده أعظم ثقافة عرفتها البشرية، وأن نقرأه آناء الليل وأطراف النهار.
الثاني: أن نحفظ ما تيسر منه.
الثالث: أن نجعله تعاليم سلوكية أدبية اجتماعية، نعمل بها ونلقى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بها.
يقول عليه الصلاة والسلام: {اقرءوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} ويقول: {اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان كغيايتين أو غمامتين أو كفرقان من طير صواف} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يجلس مع تلاميذه الأخيار، الذين تأثروا بالقرآن، فيقول: {أريد أن أسمعه من غيري} يقول هذا لـ ابن مسعود، وكلكم يعرف ابن مسعود، ولستم أنتم فحسب في أبها يعرف ابن مسعود، بل يعرفه أهل الجزيرة العربية، ويعرفه أهل الدول العربية، وأهل الشرق الأوسط، ومسلمو اليابان والصين وأمريكا، كلهم يعرفون ابن مسعود؛ لأن ابن مسعود اتجه بهذا القرآن ورفع الله قدره بالقرآن، كانت قامة ابن مسعود على قدر جلوس الرجل، أي أنه يوازيك وأنت جالس برأسه، من نحافته ومن هزاله وضعفه، لكن القرآن لما دخل قلبه جعله أمة من الأمم، حتى إن الصحابة عندما صعد شجرة رضي الله عنه، ضحكوا من دقة ساقيه، كاد أن يسقط على غصن من أغصان الشجرة كأنه طائر، فقال صلى الله عليه وسلم: {أتضحكون من دقة ساقيه، والله إنهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد} يقول صلى الله عليه وسلم لـ ابن مسعود: {اقرأ علي القرآن.
فيقول ابن مسعود: يا رسول الله! أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟! -يستحي أن يقرأ على معلم البشرية، وهادي الإنسانية، يستحي أن يقرأ القرآن على من رفع رءوسنا بعد أن كانت في التراب، وأنار قلوبنا بعد أن كانت مطموسة، وفتح عيوننا بعد أن كانت مغلقة- فقال صلى الله عليه وسلم: إني أحب أن أسمعه من غيري، فاندفع ابن مسعود يقرأ، قال: فلما بلغت قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:٤١] قال: حسبك الآن، فنظرت فإذا عيناه تذرفان}.
تأثر أيما تأثر بهذا القرآن، ولذلك ليس لنا ثقافة نقدمها، ولا تاريخ نقدمه، ولا معرفة ولا تربية، ولا علم نفس نقدمه على القرآن.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "من ظن أنه سيهتدي بهدىً غير هدى القرآن، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".
ويقول: "كل أرض لم تشرق عليها شمس القرآن فهي أرض ملعونة، وكل قلب لم يشرق عليه هدى هذا القرآن، فهو قلب مغضوب مسخوط عليه".
فأنت أيها الأخ الكريم! إذا غربت عليك شمس يوم لم تقرأ فيه آيات أو لم تعش فيه مع المصحف، أو لم تتدبر فيه آيات، اعتبر ذلك اليوم منسياً من عمرك، وأنك خسران مغبون في هذا اليوم، لأن ثقافتنا نأخذها من القرآن.
يقول سيد قطب، صاحب ظلال القرآن، هذا الكتاب الذي أرشدكم لاقتنائه وشرائه، الذي يعلمك حياة الواقع وكيفية ردها إلى القرآن الكريم، صاحب هذا الظلال عاش أربعين سنة في الضلال، أي: في الضياع كما يضيع الكثير منا الآن، يضيعون ويتيهون بلا رسالة، في الشوارع، في الذهاب والإياب، في المقاهي، مع جلساء السوء، لا يعلمون أنهم من خير أمة أخرجت للناس، لا يعلمون أن أجدادهم فتحوا الدنيا، وأنهم عمروا التاريخ، وأنهم بنوا منابر الحق، سلوا كل سماء عنا، وسلوا كل أرض في الأرض عنا، ما أوجد العدل في الدنيا إلا أجدادنا، فهذا الشاب الذي يضيع كأنه يتناسى ويكذب ما فعل أجداده.
سيد قطب يقول: "عشت أربعين سنة في الضياع، فلما عدت للقرآن؛ تهولت من القرآن أن يخاطبني من فوق سبع سماوات، من أنا؟ العبد الضعيف المسكين، قال: وكنت أقرأ أن الصحابة يتأثرون ويبكون من القرآن، فما شعرت بذلك حتى سافرت مرة من المرات، يقول: سافر في سفينة من مصر إلى أوروبا، قال: وكان معي شباب من العرب يريدون أوروبا، فركب معنا جاريات، منهن جارية يوغسلافية، فرت من يوغسلافيا، قال: فلما أتت صلاة الجمعة، قمت فصليت بزملائي، وقرأت بعد الفاتحة: (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية) فلما انصرفت من الصلاة، التفت فإذا هذه المرأة اليوغسلافية التي لا تعرف اللغة العربية تبكي، فقلت للترجمان حولي: ما لها تبكي؟ فقال: إنها تبكي لأنها سمعت إيقاعاً منك خاصاً، أثر في قلبها -إيقاعاً من القرآن- فهي تسألك كلام من هذا؟ قلت: أخبرها أنه كلام رب السماوات والأرض، فلما أخبرها قال: زاد بكاؤها بكاءً ونحيبها نحيباً".
ثم يورد سيد قطب، قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة، يقول: كان من هديه صلى الله عليه وسلم وهذا ثابت في الحديث الصحيح، كان يدور على أصحابه من آخر الليل، صلى الله عليه وسلم؛ ليسمع من يقرأ القرآن، فاستمع مرة من المرات إلى عجوز تقرأ وراء الباب، فوضع صلى الله عليه وسلم رأسه على الباب، فسمع العجوز تقرأ وتبكي وتقول: {هل أتاك حديث الغاشية، هل أتاك حديث الغاشية، وترددها فأخذ يبكي ويردد معها ويقول: نعم أتاني، نعم أتاني} لأنه يعرف عليه الصلاة والسلام فيم أنزل هذا القرآن، ومن أنزله.
فالذي أدعو نفسي وإياكم يا شباب الإسلام! يا أيها الأخيار! يا أيها الأحبة! لأنكم أنتم أمل الأمة؛ أن تجعلوا وقتاً من أيامكم لهذا الكتاب الكريم، واعتبر يومك إذا لم تقرأ فيه القرآن؛ أنه يوم ضائع مغضوب عليه.
يقول الحسن البصري رحمه الله: [[كل يوم تشرق فيه الشمس يقول لابن آدم: اغتنمني يا بن آدم، فوالله لا أعود إليك أبد الدهر]].