هذا هو شيخ الإسلام الذي ابتلي في عرضه، وجسمه وفي سمعته وفي كل ما يمت له بمصلحة، حتى أنه رضي الله عنه قبل أن يتوفى بعشر سنوات أو ما يقاربها، عندما أدخل السجن، أدخلوه لأن الحق معه والباطل مع غيره، لكن أهل الباطل هم الذين أدخلوه السجن، فلما أدخلوه السجن أغلقوا عليه باب السجن، فتبسم والتفت إلى الباب وإلى السجان وقال:"فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب"، ثم أخذ يتبسم إلى الناس الذين في السجن وقال:"ماذا يفعل أعدائي بي!؟ -يعني ماذا يفعلون بي- أنا جنتي وبستاني في صدري، أنى سرت فهي معي، قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة" ثم كان يقول: "المأسور من أسره هواه، والمقطوع من انقطع عن ربه" أو كلام يشبه هذا.
قال ابن القيم: والله لقد كانت تضيق بنا الدنيا بما رحبت وتضيق بنا أنفسنا؛ فنأتي إليه فما هو إلا أن نرى وجهه ونسمع كلامه فيذهب كل ذلك عنا؛ لكثرة اتصاله بالله، ويقول هو عن نفسه: والله لا أترك الذكر إلا لأجم نفسي؛ -أرتاح قليلاً- ثم أعود، وقال له بعض تلاميذه: يا أبا العباس! ما نرى لسانك يفتر من ذكر الله؟