فضيلة الشيخ: البكاء من خشية الله من أفضل العبادات، ولكن ما هي السنة فيه؟ وهل يرفع به الصوت وما هي حالة السلف حال البكاء حفظكم الله؟
الجواب
البكاء من أعظم ما يتقى به عز وجل:{وعينان لا تمسهما النار منهما: عين بكت من خشية الله عز وجل} والله عز وجل مدح الباكين من خشيته في كتابه وقال: سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ}[المائدة:٨٣] وقال في الأنبياء: {خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً}[مريم:٥٨].
فالبكاء من خشية الله مطلوب، وعند بكائه صلى الله عليه وسلم كانت تدمع عيناه، وربما سمع لصدره أزيز كأزيز المرجل، لكن ما كان إلى درجة رفع الصوت والعويل والمناداة والإزعاج، أما من يبكي كثيراً ويقول: البكاء غلبه فهو مأجور ومشكور عليه، ونسأل الله أن يحرم عينه على النار، وأن يكون من المخلصين الأبرار، وإن كان يتكلف البكاء ليظهر من نفسه أنه خاشع فهذا مصدر من مصادر الرياء نعوذ بالله من الرياء، وهذا هو المحق والبوار والدمار، نعوذ بالله وهذا شعبة من الشرك، فإن المسلم لا يتصنع ولا يتكلف للناس.
كان الأوزاعي لا يبكي أمام الناس أبداً كما ذكر ذلك ابن كثير، فإذا خلى ببيته بكى حتى يسمع جيرانه بكاءه من خشية الله.
وذكروا عن أيوب السختياني الراوي الكبير أنه إذا بكى غطى أنفه وقال: ما أشد الزكام؛ ليظهر للناس أن هذا زكام وليس بدموع من خشية الله.
وقال الحسن البصري: والله! إن الرجل من الصالحين تفيض عيناه بالبكاء فيقوم من المجلس ويختفي لئلا يرى دمعه أحد من الناس.
فالذي يشهر بنفسه ويتكلف البكاء ليعلم الناس أنه خاشع، ليس له من الأجر شيء، وعليه وزر، ويخاف أن يمحق عمله وأن يكون من المرائين نسأل الله العافية والسلامة.
وفي الصلاة بكى عليه الصلاة والسلام كما في سنن أبي داود، يقول مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه:{} فهذا صوت يترجرج من الخشية، أما الإزعاج ورفع الصوت والضجة والصجة فليس من شيم الصالحين، أما المغلوب فمعذور، وأما الذي يظن أنه مأجور على هذا أي: التشهير والإزعاج ورفع الصوت فما أظن أن هذا من شيم السلف الصالح، وفيه تشويش على المصلين، وفيه إرباكٍ على الإمام وعلى المتدبر وعلى السامع، وهو شيء من الإزعاج على المسلمين، ومدخل من مداخل الرياء؛ لأن البكاء والذكر والصيام يدخل فيه الرياء كثيراً إلا من عصم الله، فوصيتي أن من غلبته عيناه أن يحتسب ذلك عند الله ويحاول أن يكظم من بكائه إلا إذا غلب فهو معذور.