[مع الدعاة إلى الله]
قال: واستمر على هذه الحال حتى تأذى منه جيرانه وشكوه، وحاول بعض الدعاة معه محاولة فوصلوه إلى بيته، ووعظوه بالله، وسألوه بأسماء الله الحسنى أن يتوب، وعلى الأقل أن يمسك على الناس شره، وصل البلاء به المواصيل، وما بقي إلا توبةٌ نصوحٌ، أو قاصمةٌ من الله يوم يأخذ الظالم فلا يفلته أبداً.
قال: وبينما نحن نعظه، بكى، وظننا أنه تاب، وأنه أحس بالعودة إلى الله، ولكن دون جدوى عاد كما كان، بل أمَرَّ مما كان، وكان يستهزئ ويسخر بنا في رسائل وجلسات، وكان عنده أصحاب يدعونه إلى الردى والغواية.
قال: واستمر به الحال، فكتبنا له رسائل، وحاولنا أن نتوسط ببعض الناس، شفعُنا فيه أن يهتدي فرفض.
تذكرنا طريقةً مبتكرة للهداية؛ وهي طريقة ناجحة، طريقة إهداء الشريط الإسلامي، أن يصل إليه، وأن يستمع إليه، وأن يُوْدَعَ في بيته وفي سيارته.
قال: فاشترينا مجموعة من الأشرطة ووضعناها في سيارته، قلنا: هذه آخر محاولة، وبعدها ندعو الله أن يريح العباد والبلاد منه؛ لأنه سبب في غواية كثير من شباب الحي والحارة.
قال: وقدر الله، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى له أزمنة يقدر فيها الهداية فلا يستعجل على أمره، {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل:١].
قال: سافر هذا الرجل إلى مدينة الدمام، وفي أثناء الطريق سمع الغناء حتى ملَّ، وسمع البذاء والسخف حتى كَلَّ وسئم، وقبل أن يصل إلى مدينة الدمام بمراحل حاول أن يسمع هذه الأشرطة الموجودة؛ ليسمع ما يقول هؤلاء البشر السخفاء في نظره الحقراء في فكره، هل يتكلمون كالناس؟! هل عندهم شيء؟!
قال: ففتح شريطاً يتحدث عن اليوم الآخر، قال: وتأمل وألقى سمعه، وتحدث الشريط عن حياة الإنسان وعن رحلته، وعن ضعفه، وعن موقف الإنسان يوم العرض الأكبر، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:١٨].
قال: وبدأ التأثر، وانتهى الشريط، وأخذ شريطاً آخر يتحدث عن الجنة، وبدأ التأثر والبكاء منتهاه -وهو يتحدث عن نفسه- حتى يقول: ما كدت أتحكم في إطار السيارة وفي قيادتها حتى دخلت المدينة، ومع دخوله المدينة أدخل الله الهداية قلبه.
وأول ما وصل وصل إلى مكانٍ فتوضأ فيه، وجدد وضوءه، وبدأ بالمسجد وصلى ركعتين، وأعلن توبته وهو يبكي أمام الله، وصلى مع الناس، وعاد إلى الله وأكمل سماع هذه الأشرطة التي زادته عمقاً وإيماناً وبصيرة.
عاد إلى أهله بوجهٍ غير الوجه الذي ذهب به؛ وجه الإيمان وجه النور والهداية وجه الإقبال على الله عزوجل، {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران:١٠٦ - ١٠٧].
ليسو كقومٍ إذا لاقيتهم عرضاً أهدوك من نورهم ما يتحف الساري
تروى وتشبع من سيماء طلعتهم بوصفهم ذكروك الواحد الباري
مَن تلق منهم تقل: لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري