[القوة المطلوبة من المؤمن]
يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي يرويه مسلم: {المؤمن القوي} القوي في كل شيء؛ في الإرادة والبذل والعزيمة وليس في الجسم؛ لأن الله لم يذكر الأجسام في القرآن إلا في موطنين.
موطن ذكر أنها مِنّة للملك طالوت على بني إسرائيل، فقال: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة:٢٤٧] لأن الملك يحتاج إلى جسم.
والموطن الثاني: ذكره في مذمة للمنافقين، فقال: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:٤].
لا بأس بالقوم من طول ومن قصر جسم البغال وأحلام العصافير
قال: {المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير} الخيرية موجودة وأصل الخير فيهما موجود، لكن التفاوت النسبي الإضافي عند المؤمن القوي الذي يحبه الله عز وجل، مؤمن قوي في دعوته، قوي في تأثيره، قوي في إرادته، أحب إلى الله عز وجل من المؤمن الضعيف.
الآن عمر بن الخطاب أحب إلى الله عز وجل من آلاف مؤلفة من المؤمنين الذين ضعفوا في الإيمان.
عمر قوي في جسمه، كان يمشي كأنه راكب على فرس، وقوي في إرادته، وفي مشيته.
مر أناس في سكة من سكك المدينة من الشباب الذين لم يهتدوا، والشاب إذا اهتدى وقلَّ علمه يبدأ بأمور ربما لا تنضبط كثيراً على السنة، فأخذوا يتماوتون في مشيتهم، نكسوا رءوسهم وكسروا أجنحتهم ومشوا في السكة، يظنون أن هذه تدخلهم في العشرة المبشرين بالجنة، فقالت عائشة: من هؤلاء؟
قال الناس: هؤلاء قوم اهتدوا تائبين إلى الله عز وجل، هؤلاء نُسَّاك عباد، قالت: [[كذبوا والله! لقد كان عمر أخشى لله، وكان إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع]].
فأما إذا مشى أسرع: فإنه كان يتفلت تفلتاً كأنه رضي الله عنه وأرضاه الصخرة إذا نزلت من الجبل.
يقول امرؤ القيس:
مكر مفر مقبل مدبر معاً كجلمود صخر حطه السيل من عل
وقال المتنبي:
أنا صخرة الوادي إذا ما زوحمت وإذا سقت فإني الجوداء
لم يجد أحداً يمدحه، فمدح نفسه!!
وكان عمر رضي الله عنه إذا خطب يسمع صوته من في السوق.
وكان إذا ضرب أوجع: إذا ضرب الأعداء أو أهل البدع أو أهل المعاصي أو عزر رضي الله عنه وأرضاه، تطير الشياطين من الرءوس بضربه، وقد كان من أضرب الناس حتى في المعركة بالسيف، ومن ضمن ما ذكره الشُّراح في كتبهم -وتحتاج إلى سند- أن عمر رضي الله عنه وأرضاه عطس والحلاق يحلق له رأسه عند الجمرات فأغمي على الحلاق.
وقد سمعت -في شريط- لأحد الخطباء وهو يخطب يوم الجمعة يقول: عمر رضي الله عنه وأرضاه لقوة إيمانه ويقينه، لما أدخل القبر أتاه الملكان يسألناه! فانتفض من قبره، وقال للملكين: من ربكما؟!
وهذه مبالغات تحتاج إلى أسانيد ومن أخبره ومن دخل مع عمر رضي الله عنه وأرضاه.
إن ما نحفظه عن عمر رضي الله عنه وأرضاه هو الصدق والإخلاص والعدل والإيمان والحب والطموح.