للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مشكلة عدم التعاون مع رجال الهيئة]

السؤال

أنا أخوكم من الرياض أتيت إلى أبها، ورأيت الشباب هنا غير متعاونين مع رجال الهيئة، ويتهربون منها، فأرجو إرشادهم إلى ذلك؟

الجواب

مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تتوقف عليَّ ولا على هيئة، وإنما الأمة مطالبة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سواءً توظف العبد أو لم يتوظف، فهي وظيفة من رب العالمين سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠] وقال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:٧٨ - ٧٩] {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:١٧].

فمسألة الأمر بالمعروف لا تتوقف على هيئة وإنما الهيئة أكثر مسئولية؛ لأنها أوكلت كثيراً من الناس عن هذا الشيء، فإذا لم تقم بواجبها وأداء حقها أصبحت أكثر ذنباً ومأثمة ومسألة عند الله عز وجل وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان}.

فأدعو إخواني في الله إلى الدعوة في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا منكر، وليكن عندهم حصيلة من العلم الذي ينفعون به الناس، ويستصحبون الإخلاص ليدفع بهم الله ويجعل لهم قبولاً، فإن العمل إذا لم يكن فيه إخلاص لم يجعل الله فيه قبولاً، وليكن غرضهم للدعوة للناس باللين، يقول الله لموسى وقد أرسله إلى شيخ الطغاة المتمرد على الله فرعون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:٤٤] فباللين وبالحكمة ينفع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

أما التعليق بالهيئة فهذا ليس بصحيح، بل كل إنسان مسئول أن يأمر بقدر جهده وطاقته، والشيطان دخل علينا بأمور، يقول: كيف تتصدر للناس؟ وكيف تدعو ولم تتمكن في العلم؟ حتى أصبح كثير من طلبة العلم، يحملون علماً جماً وكثيراً ولكن ما أنفقوا منه، والعلم إذا لم ينفق منه ذهبت بركته، فكثير من القرى فيها كثير من الدعاة وطلبة العلم العدد الضخم ولكن يشكون من الجهل، وأخذتنا هذه المحاضرات الطنانة الرنانة التي نعرضها على الناس، والناس لا يريدون كثرة علم ولا علم تخصص ولا علم سند، بل يريدون أن يعرض الإسلام سهلاً ميسراً كما عرضه الصحابة.

وفي سنن أبي داود عن عبد خير وهو من أول الأحاديث في الطهارة: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه يوم أن وصل إلى الكوفة جمع الناس، فلما اجتمعوا قام فتوضأ أمامهم، ولما انتهى قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فهذا هو العلم، تعليم الناس الوضوء، والغسل من الجنابة، والصلاة والحج، فليس هناك ألغاز ولا أحاجي ولا شؤم مدسوس، فهذه هي الدعوة التي يدعى إليها، وهذا هو العلم الذي يريده الناس، وهو علم ميسرٌ ومسهل، وهذا هو علم السلف، لأن امتياز علم السلف باليسر والأصالة والعمق، وأما هذا العلم، أي: الذي يظهر بكلمات لا أثر لها وإنما تبدي الثقافة وتبدي مدى التعمق في الطلب فهذا ليس بصحيح، وهذا ليس له أثر، يقول ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: [[عليكم بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنهم أخلص الأمة قلوباً وأبرها، وأصدقها لهجة، وأقلها تكلفاً، وأعمقها علماً]] فالعلم هو علم السلف، علم ميسر مسهل، فهل عزيز علينا أن يقوم أحد من الناس فيتوضأ ثم يقول: هكذا وضوء الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يصلي للناس كما في حديث سهل، فيقول هكذا صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟!

إن العلم سهل ميسر، وإننا نحتاج إلى تبليغه للناس، وإن الشباب بحاجة إلى أن يدعوا ليبارك الله في الجهد، خاصة لأن على منطقتنا لائمة، ومسئولية بسبب كثرة الاصطياف، وكثرة الوافدين، وهؤلاء يأتي فيهم مزيجٌ من أهل الخير، ومن غيرهم ممن يحتاجون إلى توعية، وإنا ندعو إخواننا وشبابنا إلى التعاون ورفع كلمة لا إله إلا الله عز وجل، وإلى التأثير في الناس بالحكمة والموعظة الحسنة عل الله أن يبارك في الجهد وأن يصلح الحال، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.

اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا.

اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>