للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الصلاة ثانياً

يقول الله عز وجل: {فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:١٤] فيا دعاة الإسلام! ويا أخيار حملة لا إله إلا الله في الإسلام! يا أهل البيوت الذين يريدون تربيتها على الإسلام! يا من حمل في قلبه حب الإسلام! أقم الصلاة لذكري إن أول زاد المسلمين الصلاة.

لذكري قيل: إذا ذكرتني في أي وقت فأقم الصلاة، وقال بعض أهل العلم: أقم الصلاة لذكري، إذا نمت عن الصلاة، ثم قمت وذكرتها، فأدها، لحديث أبي قتادة في الصحيحين مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم: {من نام عن صلاة، أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك} وقيل: أقم الصلاة لذكري، أي: لإقامة ذكري، أي: أن تقيم الصلاة لتذكرني في الصلاة، لا تذكر غيري، لا مالاً، ولا ولداً، ولا منصباً، ولا تراثاً، وإنما لذكر الله عز وجل.

{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:٤٥] قال ابن تيمية: هذه الآية أخطأ فيها طائفة من أهل العلم، ومعناها الصحيح: أن للصلاة منفعتين:

الأولى: منفعة أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.

والثانية: أن فيها يقام ذكر الله.

وإقامة ذكر الله في الصلاة أعظم من نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر.

فعلم الله موسى التوحيد، ثم دله على العبادة، ثم أوصاه بالصلاة، والآن يتحدث له عن اليوم الآخر {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه:١٥].

يا موسى! إن هناك يوماً يجمع الله فيه الأولين والآخرين يا موسى! إن هناك حساباً يا موسى! إن هناك يوماً يجعل الولدان شيباً يا موسى! إن هناك يوماً يعض الظالم فيه على يديه يا موسى! إن هناك يوماً تنسف فيه الجبال نفساً {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:١٥] قيل: أكاد أظهرها من باب التضاد، وقيل: أكاد أخفيها على ظاهرها {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه:١٥] لا إله إلا الله ما أعظمه من يوم! ولا إله إلا الله ما أخطره من لقاء!

يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه

كم نطلب الله في ضرٍ يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه

ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه

ونركب الجو في أمنٍ وفي دعةٍ فما سقطنا لأن الحافظ الله

{إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} [طه:١٥ - ١٦] يا موسى! لا يصدنك عن لقاء الله جلساء السوء، فإن في المجتمع من يصدك عن موعود الله، وفي الناس من يأخذك عن الطريق المستقيم، جلساء السوء يحببون لك الأغنية الماجنة، والمجلة الخليعة، والنظرة الآثمة، وأكل الربا، والزنا، والفجور، وشهادة الزور، والغيبة والنميمة؛ فاحذرهم.

{فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} [طه:١٦].

بعض الناس اتبع هواه، ركب رأسه كالثور، له قلب لكن لا يعقل، له سمع لكن لا يسمع، له بصر لكن لا يبصر به، فسبحان من يهدي ويضل!

<<  <  ج:
ص:  >  >>