{من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة} الحديث ذكر خمس ساعات، وعند النسائي ست أو سبع، وبناء عليه فإنه لما قال الإمام مالك: أن المعنى من قوله: (من راح) أي إذا زالت الشمس يبدأ الناس يخرجون من بيوتهم، فقال مالك: إن هذه الساعات هي لحظات خفيفةٌ لطيفة كأقل ما يكون وتتابع بسرعة، لأن بعد الزوال لا يتحمل خمس ساعات، ورد عليه أهل العلم أن هذا خلاف كلامه صلى الله عليه وسلم، قال الإمام أحمد: أما مالك فقد عارض حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
والإمام مالك ما خالف الحديث متعمداً، لكنه مجتهد أخطأ في هذه المسألة فله أجر واحد، وقال ابن حجر: وتجاسر الغزالي، (ومعنى تجاسر أي: تشجع واقتحم الموقف) وقال: أما الساعة الأولى فهي من بعد صلاة الفجر، ولذلك يقول في كتابه إحياء علوم الدين: إذا صلى العبد صلاة الفجر فليذهب إلى المصلى مباشرة، وكان السلف يأخذون السرج في الطريق يستضيئون به إلى الجمعة، فقال له أهل العلم: من أين لك هذا الاستدلال؟ إنما هذا من كيسك، والغزالي يريد تربية وشحذ همم الأمة، لكن أهل العلم كـ الذهبي، وابن تيمية، وابن القيم وغيرهم يقولون: إنه ضعيف في الرواية والنقل رحمه الله.
فأتى الغزالي بهذه المسألة، فقال: الساعة الأولى: من بعد الفجر إلى أن تطلع الشمس، والساعة الثانية: من طلوع الشمس إلى أن ترتفع، والساعة الثالثة: من ارتفاعها إلى أن تبسط في الجو، والساعة الرابعة: إلى أن ترمض الأقدام (من الرمضاء) والساعة الخامسة من رمض الأقدام إلى قدوم الخطيب.
فقال له أهل العلم: من أين لك هذا حتى تجاسرت على تحديدها بذلك؟!
والصحيح الذي قاله الجمهور أنها ساعاتٍ زمنية معلومة الله أعلم بها، لكن ترتب كالساعات المعروفة عندنا فترتب خمس ساعات من قبل دخول الخطيب، وعليكم بترتيبها، والخطيب يدخل في الثانية عشرة فاحسبوا من قبلها خمس ساعات تنازلياً، فهذا ما ذهب إليه الجمهور، وأخذ منها المالكية جواز التاريخ الإسلامي أن يوضع التاريخ ويحسب من معرفة الساعات، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:{نحن أمةٌ أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا} أي: تسعة وعشرين يوماً، أو ثلاثين يوماً فالنبي صلى الله عليه وسلم ما كتب رقماً، وإنما قال:{نحن أمةٌ أمية} يعني على الجبلة والفطرة، لكنها أمة ذكية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا، قال الجمهور: فلا يرد التاريخ، قال المالكية: بل يرد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:{من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة} فهو صلى الله عليه وسلم أتى بالرقم التسلسلي التنازلي إذا حسب من دخول الخطيب، من جاء في الساعة الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة.