[ترجمة رجال سند حديث: (إن الله كره لكم قيل وقال)]
حدثنا مسدد شيخ البخاري اسمه مسدد بن مسرهد بن عرندل بن صرندل بن مغردل بن مشردل، ذكره الذهبي وقال: السند في رواية بقية الاسم ضعيف، قال الفضل بن دكين أحد تلاميذه: هذه رقية العقرب.
أي: الاسم هذا رقية عقرب، يكفي فقط أن تقول: بسم الله، ثم ترتقي بهذا الاسم لتذهب حمة العقرب، وهذا مزاح، قال: حدثنا يحيى، الراجح أنه يحيى بن سعيد القطان.
قال الإمام أحمد: لو أن أحداً يلزم نفسه من خشية الله للزمها يحيى بن سعيد، تلي عليه القرآن وهو على بيته فغشي عليه حتى سقط على خشب في الأرض، وكان إذا تلي عليه القرآن يقول زملاؤه للتالي: لا تتلُ حتى ننزله على الأرض، فكان ربما يغشى عليه الساعات الطوال، وكان من أعبد الناس وأزهد هم، قال الإمام أحمد: رأيت الناس فما أقدم أجلَّ من يحيى بن سعيد القطان.
عن سفيان، وسفيان هذا هو الثوري، أبو سعيد، وقيل: أبو عبد الله من أجل الناس، يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: ثلاثة من العلماء بعد الصحابة لا يسكن قلبي إلى مثلهم أبداً، الحسن البصري وسفيان الثوري، والإمام أحمد.
وقال الإمام أحمد: لا يحل قلبي بعد الصحابة والتابعين مثل سفيان الثوري.
هذا سفيان الثوري بلغ منزلة عظيمة في العبادة والعلم والزهد، وكان من أقوى الناس قولاً بالحق، وكان يتقي الله عز وجل، كان إذا أظلم عليه الليل توضأ وأخذ حذاءه وصعد الجبال يصلي حتى صلاة الفجر.
وذكر عنه صاحب حلية الأولياء أنه نزل في منى مسافراً إلى مكة؛ فأدركته صلاة العشاء؛ فصلى ومعه زملاؤه، فلما ناموا توضأ وأخذ حذاءه يصعد الجبال فصلى حتى اقترب الفجر، فسقط؛ فجرحت إصبعه، فأخذ يربط عليه، ويقول: يا دنيا يا دنية تباً لكِ.
حج مع الناس، فلما حج رأى موكب أبي جعفر المنصور، وقد دخل في عرفات ومعه حرسه وأمراء بني العباس ووزراؤهم وأغنياؤهم، فالتفت إلى السماء فقال: لقد خذلتُ العلم اليوم إذا لم آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر.
فأخذ حذاءه ودخل على أبي جعفر المنصور، فقال: يا أبا جعفر! اتقِ الله في يوم لا يتقى فيه إلا الله، قال: وماذا فعلت؟ قال: جمعت الناس، وبذرت الأموال، وأخذت المواقع على المسلمين، قال أبو جعفر وكان من أقويا الدنيا وجبابرة العالم: أتريد أن أكون مثلك؟ قال: لا تكن مثلي ولا تكن مثلك، كن أقل مما تكون عليه، حج عمر بن الخطاب فما خسر في حجه إلا عشرين درهماً.
ثم خرج، فلما أظلم الليل أخذ ينام في مزدلفة، فيجمع تراباً لتكون مخدةً له، وقال: والله الذي لا إله إلا هو إن هذا العيش أحب إليّ من عيش أبي جعفر المنصور، لما أدركته الوفاة قام ستين مرة يتوضأ في الليل؛ لأنه أصيب بالدم، وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء عرض ماؤه على الأطباء، فقالوا: هذا رجل لا يعيش طويلاً، فتّت الحزن كبده، من كثرة مخافة الله عز وجل.
ذكر عنه بعض زملاؤه، أنه نام عند رجل؛ فأخذ يتقلب في فراشه فلما قرب الفجر قام، فقال له هذا المضيف: ما رأيناك نمت، قال: كلما نمت تذكرت أن الله على العرش بارزٌ يحاسب الناس.
في السير أنه ذهب إلى عبد الرزاق بن همام الصنعاني في اليمن، فلما تعشى عنده قام وشد وسطه وصلى إلى صلاة الفجر، أخذ مطهرة من المطاهر ليتوضأ بها ليوتر بعد صلاة العشاء فتذكر إذا زلزلت الأرض زلزالها، فأخذ المطهرة بيده، وهو واقف يقرأ: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:١] ويبكي حتى طلع الفجر وأذن للفجر وما أوتر.
كان من أخوف الناس لله عز وجل، حتى قال الناس: رأينا من خاف وسمعنا عمن خاف, أما سفيان الثوري فلم نرَ أخوف منه، رضي الله عنه وأرضاه.
ذكر عنه المترجمون: أنه رئي في المنام، قالوا: وما فعل الله بك؟ قال: رزقني -هذه عهدة على النقلة- جناحين أطير بهما في الجنة حيث أشاء.
وكلمني ربي كفاحاً وقال لي هنيئاً لك الخيرات يا بن سعيد
هذه من الأبيات التي حفظت عنه، ومن شاء فليعد إلى المصادر.
وكلمني ربي كفاحاً وقال لي هنيئاً لك الخيرات يا بن سعيد
فقد كنت قواماً إذا أظلم الدجا بعبرة مشتاق وقلب عميد
تزوج زوجة واحدة وله منها ولد، وكان لا يحب كثرة الذرية، قال: يشغلونني عن العبادة، فأراد الله أن يجبر قلبه، وأن يعلي حظه، فارتفع ابنه على جدار الدار في عسقلان في فلسطين؛ فسقط؛ فإذا هو ميت، فأخذ يتبسم ويحضنه بين يديه، وقال: الحمد لله الذي سرني بك مولوداً، ولم يكدرني بك فاجراً، ثم دفنه، وماتت امرأته، ثم عاد من كل شيء، حتى يوم توفي وجدت حذاؤه وثيابه فكفن في ثيابه.
بنفسي ذاك الشخص ما أحسن الربى وما أحسن المصطاف والمتربعا
قالا: حدثنا حبيب، وحدثنا محمد بن كثير، ثم ساق الحديث إلى ابن عمر، قال رجلٌ للنبي صلى الله عليه وسلم: {أجاهد؟ قال: لك أبوان؟ قال: نعم.
قال: ففيهما فجاهد} قيل: إن هذا الرجل هو الذي أتى ووالده وأمه يبكيان عليه، فأراد أن يتمدح أمام الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: {يا رسول الله! والله ما أتيتك إلا وأبي وأمي يبكيان، قال: عد إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما}.
وعند الطبراني كما أورد ذلك صاحب الكشاف وغيره، أن رجلاً أتى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {يا رسول الله! عقني ابني، قال: كيف؟ قال: ربيته، أسهر لينام، وأجوع ليشبع، وأظمأ ليروى، فلما شب وترعرع لوى يدي وتغمط حقي وترك خدمتي، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم، قال: أقلت في ذلك شعراً؟ قال: نعم.
قال: ماذا قلت؟ قال: قلتُ:
غدوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعل بما أجري عليك وتنهل
إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا شاكياً أتململ
كأني أنا الملدوغ دونك بالذي لدغتَ به دوني فعيناي تهمل
فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما فيك كنت أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذا لم ترعَ حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل
فأخذ صلى الله عليه وسلم الابن بتلابيب ثوبه، وقال: أنت ومالك لأبيك} زاد صاحب الكشاف، فنزل جبريل، قال: فبكت الملائكة لبكاء هذا الرجل يا رسول الله! والعهدة على من نقله، وفي الزيادة نظر.