للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[استشهاد عمر]

وفي أول ليلة نامها عمر رأى رؤيا في المنام، رأى أن ديكاً ينقره ثلاث نقرات، فسأل بعض الصحابة: ما تأويل الرؤيا، قالت له أسماء بنت عميس -إحدى الصحابيات المؤمنات- وكانت تفسر الأحلام وتعبر الرؤيا: يا أمير المؤمنين أستودعك الله في نفسك الذي لا تضيع ودائعه، سوف يطعنك رجل بخنجر ثلاث طعنات ويقتلك.

قال: الله المستعان! إنا لله وإنا إليه راجعون!

وصلى صلاة الفجر في اليوم الثاني، وكان إذا صلى الفجر غالباً ما يقرأ سورة يوسف بعد الفاتحة، فقام يقرأ سورة يوسف، فلما بلغ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:٨٤] فنهد باكياً وبكى الناس معه، ولما ركع تقدم له أبو لؤلؤة المجوسي.

مولى المغيرة لا جادتك غادية من رحمة الله ما جادت غواديها

تقدم بخنجر ذي حدين قد سمه شهراً، حتى أصبح الخنجر أزرق من كثرة السم، ثم ضرب عمر أمير المؤمنين، حصن الإسلام، العادل الكبير، الزاهد العابد النحرير، الذي ما عرف إلا قيام الليل والوقوف مع المسكين والفقير والأرملة، ضربه ثلاث طعنات ليهدم ركن الإسلام، فصرع عمر ووقع على وجهه في الأرض، وهو يقول: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، ثم التفت وقدم أحد المسلمين، فلما صلوا أغمي عليه -غشي- من كثرة الدم، قال: من قتلني؟

قالوا: أبو لؤلؤة، قال: الحمد الله الذي جعل شهادتي على يد رجل ما سجد لله سجدة.

ثم رفعوه على أكتافهم، يقول أنس: [[ظننا أن القيامة قامت يوم مات عمر]] ويقول علي: [[والله الذي لا إله إلا هو لقد كفنت سعادة الإسلام في أكفان عمر]].

ووضعوه في البيت، فلما أرادوا أن يضعوا رأسه وهو مطعون يعالج السكرات، وضعوا له مخدة -وسادة- تحت رأسه، قال: [[انزعوها من تحت رأسي، وضعوا رأسي على التراب، علَّ الله أن يرحمني! فأخذ يمرغ وجهه على التراب وهو يبكي ويقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه]] فدخل عليه علي رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين طوبى لك! وهنيئاً لك! والله لطالما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {جئت أنا وأبو بكر وعمر , ودخلت أنا وأبو بكر وعمر , وخرجت أنا وأبو بكر وعمر} فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك، فقال عمر: [[ياليتني نجوت كفافاً لا لي ولا علي]]! يقول: يا ليتني أخرج من الحساب يوم القيامة لا حسنات ولا سيئات، سبحان الله! وهم المجاهدون الصادقون الزهاد العباد، فماذا فعلنا نحن؟!

بماذا نلقى الله يوم القيامة؟!

ونقول: والله لقد أسأنا مع الله كل الإساءة، نستغفر الله ونتوب إليه!

<<  <  ج:
ص:  >  >>