للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[البغض في قلوب الخلق]

من آثار الذنوب البغض في قلوب الخلق، الحب هذا من الواحد الأحد يأتي من فوق سبع سماوات، والحب والقبول ليس يصنعه أحد، الجماهير تصنع للجماهير حباً مصطنعاً إذا كان بالحديد والنار، والجماهير تصفق للأشخاص؛ لأن وراءها حديداً وناراً وطوابير وجنوداً وبنوداً، لكن الحب هذا المتلقى من الواحد الأحد، الحب والقبول كما قال البخاري: باب المقة من الله، يقول في باب الرقائق: باب المقة من الله، يقصد: الحب ثم أورد حديث {إذا أحب الله عبداً قال لجبريل: إني أحب فلاناً فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبونه، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً قال لجبريل: إني أبغض فلاناً فيبغضه جبريل، ويقول للملائكة: إن الله يبغض فلاناً فيبغضونه، ثم يوضع له البغض في الأرض} وفي بعض الروايات وفي سنده نظر {إن الناس يشربون القبول -قبول بعض الناس- في الماء البارد، ويشربون بغضهم في الماء البارد}.

ولذلك الحب هذا لا يتصنع فيه، وإنما يطلبه الإنسان المسلم من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويعرف أنه إذا استقام مع الله رزقه الله قبولاً، وجعل لكلمته تأثيراً، وأتى عليه بالقلوب، قال ابن الجوزي في صيد الخاطر: وقد رأيت نفراً من الناس يتصنعون في كلامهم وفي مشيتهم ويكثرون من الصلاة والصمت والصيام والقلوب تنفر عنهم، ورأيت أناساً يكثرون من المزح ويتوسعون في غير المحرم والقلوب تنصب عليهم أو تلتف عليهم، أو كما قال، فعلمت أن الأمر في السرائر، وفي النيات اللواتي هي خفايا، ولكنها عند الله بادية للعيان.

ومقصودي من هذا أيها الإخوة: أن يعرف العبد أن هذه النكايات والدعايات السيئة، والسمعة الباطلة ضد الأشخاص إنما هي من سوئهم مع الله، ينشر الله له البغض في الجيران والخلان والإخوان والقرى والمدن بسبب أنه عصى الله، قال عثمان رضي الله عنه وأرضاه: [[من تردى برداء ألبسه الله ذلك الرداء]].

ولذلك -والله- نعرف أشخاصاً يريدون أن يحبهم الناس كثيراً، ويحاولون بكل وسيلة إلى ذلك، ويحاولون أن يوجدوا أمراً من الأمور يلفت الأنظار لحبهم، ولكن أبت القلوب، ونعرف أناساً ما حرصوا على حب الناس أو مدحهم أو ثنائهم وأقبلت إليهم القلوب بالدعاء والحب والشوق واللهفة، حتى يتمنى كثير من الناس الجلوس معهم، فعرفنا أن الحب من الواحد الأحد، وأنه هو الذي يعطي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو الذي يمنع بسبب عمل العبد في الخلوة مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أو في العلانية، قال أبو الدرداء: [[لو أطاع طائع ربه وراء سبعة أبواب، لأخرج الله آثار طاعته للناس، ولو عصى الله عاصٍ وراء سبعة أبواب، لأخرج الله آثار معصيته للناس]] أو كما قال، وهذا أمر معلوم فإنا ما عرفنا ذنوب الناس وما رأينا خطاياهم، وكثيراً من الفواحش التي يفعلها كثير من الناس ولا يدري بها حتى أبوه وأمه لا يدريان بهذا الذنب والخطيئة لكن البغض يتابعه، وكأن القلوب تقول: فعل شيئاً، وكأنها توحي بأمرٍ الله أعلم به.

<<  <  ج:
ص:  >  >>