للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ما هو الميزان؟]

أما قوله عليه الصلاة والسلام: {الحمد لله تملأ الميزان} ففيه قضايا:

[ما هو الميزان؟]

قيل: ميزان الأعمال التي تسجل فيه الحسنات في يوم العرض الأكبر، والصحيح عند أهل السنة أنه محسوس خلافاً لعلماء الكلام والمناطقة الذين قالوا: إن هذا الميزان وهمي، وليس ميزاناً محسوساً، وإنما ضربه صلى الله عليه وسلم للناس ليفهموا عنه ذلك، وهذا خطأ، بل الميزان محسوس ينصبه الله يوم القيامة، وله كفتان ولسان كما قال تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} [الأعراف:٨] ويقول الله سبحانه وتعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:٤٧] ويقول سبحانه وتعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف:٨ - ٩] ويقول سبحانه وتعالى: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ * فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:١ - ١١].

فيضع الله الحسنات في كفة، والسيئات في كفة، وفيه دليل لـ أهل السنة أن الحسنات تصبح مجسمة، فيجسم لك الله حسناتك، وفي الصحيح: أن الله عز وجل يمثل العمل الصالح في القبر على صورة شاب مليح أو رجل حسن الهيئة، ويمثل أعمال المجرم والسيئ بصورة رجل قبيح الهيئة؛ فالله يجسم الأعمال، فتأتي الأعمال في أجسام، كالصدقة والصيام والحج وبر الوالدين وحسن الخلق، فيضعها الله في كفة، ويجسم الله الأعمال السيئة كالكذب والنفاق والغيبة والنميمة والربا والغناء، فيضعها الله في كفة.

ومن الذي يحكم على الميزان؟ من الذي ينظر للسان الميزان؟

الله الواحد الأحد {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر:١٧] {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:٤٦].

وورد أن الله عز وجل بعد نفخة الصعق ينادي: لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه ملك مقرب ولا نبي مرسل فيجيب نفسه بنفسه: لله الواحد القهار، وينادي سبحانه وتعالى: {أين ملوك الأرض؟ أين المتجبرون؟ أين المتكبرون؟} ثم هو سبحانه وتعالى ينصب الميزان، وهو الذي يراقب الميزان.

وورد عن ابن عمر في حديث صحيح: {أن رجلاً يأتي يوم العرض الأكبر، فيحاسبه الله، فيرى الرجل ويتيقن أنه قد هلك فيقول: خذوه إلى النار، فيأخذونه، فيلتفت الرجل فيقول: يا رب ما ظننت أنك تفعل بي هكذا، فيقول سبحانه وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي! غفرت لك!} وفي حديث ابن عمر الآخر: {أن الله سبحانه وتعالى يدني العبد فيضع عليه كنفه، فيكلمه سبحانه وتعالى سراً بينه وبينه فيقول: فعلت كذا يوم كذا وكذا قال: نعم يا رب! قال: فعلت كذا يوم كذا وكذا، قال: نعم يا رب! قال: فعلت كذا يوم كذا وكذا من المعاصي والكبائر قال: نعم يا رب! قال: فإني سترتها عليك في الدنيا وغفرتها لك اليوم} وصح عنه عليه الصلاة والسلام: أن رجلاً من الأمة يأتي، فيرى أن سيئاته قد رجحت، وأن حسناته قد خف ميزانها فيرى أنه قد هلك، فيقول سبحانه وتعالى: ائتوني ببطاقة عبدي، فيؤتى ببطاقة مكتوب فيها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فتوضع في الكفة فترجح.

ولا يرجح مع اسم الله شيء.

هذه من المعالم الخالدة في الميزان، ويقول سبحانه وتعالى: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [الرحمن:١ - ٧].

<<  <  ج:
ص:  >  >>