للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مذهب أهل السنة في الجنة التي أخرج منها آدم]

المسألة الثالثة عشرة: الجنة التي أخرج منها آدم جنة الخلد، وهذه مسألة خلافية بين أهل السنة، حتى يقول بعضهم: هذه الجنة في الدنيا وليست جنة الخلد؛ لأن من يدخل الجنة لا يخرج منها، هذا شيء؛ ولأنه كيف أخرج آدم من الجنة، هل سقط من السماء وما أخبرنا الله كيف سقط، ولا الوسيلة التي نزل منها، ولكن الصحيح أنه كان في جنة الخلد، لعدة أمور:

أولاً: قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:١٢١] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا} [طه: ١٢٣] فدليل على أنه هبط من علو وقال: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ} [طه:١١٨ - ١٢٠] وهذا دليل على الذين قالوا: إن جنة الخلد ليست في السماء، لكن قالوا: الشيطان كيف يدخل الجنة؟ الشيطان لا يدخل الجنة، ولذلك يأتي بعض الخرافيين يقول: الشيطان لما أراد أن يدخل الجنة احتال بحيلة، قلنا: ما هي الحيلة؟ قال: ابتلعته حية، ثم دخلت الحية الجنة، يعني كأن الله عز وجل بغفلة عن هذا، وهو يخادع من؟! رب السماوات والأرض، الذي خلق الجنة وخلق الناس، وكأن علم الله لا يدرك أن في باطن الحية شيطاناً، ورد هذا في بعض كتب التفسير، والصحيح أنه وسوس، وأنه ابتلى به العبد حتى في السماء، لما خلق الله آدم كان الشيطان موجوداً ذاك الوقت، وما أعلم دليلاً على أن الشيطان لم يكن في الجنة، لكن هناك دليل على أن الشيطان لا يدخل الجنة فيما بعد، فالجنة التي أخرج منها هي جنة الخلد، التي نسأل الله عز وجل أن يعيدنا إليها:

فحي على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم

ولكننا سبي العدو

من هو العدو؟ إنه الشيطان، يقول ابن القيم: يا عبد الله، عد إلى جنتك الأولى التي كان فيها أبوك، فمن يشابه أبه فما ظلم، فأنت إذا أذنبت فتب حتى تعود إلى الجنة، لأنها دارك الأولى.

ومما يجب على المسلم أن يعتقده في القضاء والقدر: أن يؤمن بالقضاء والقدر، ويفعل الأسباب، فإن القضاء والقدر لا ينافي فعل الأسباب، فمن نفى القضاء والقدر فقد نفى أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، وقد ابتدع في دين الله، ومن عطل الأسباب فقد تخاذل وأصابه الوهن والكسل والعياذ بالله.

إذاً فنحن مأمورون أن نفعل الأسباب، ونؤمن بالقضاء والقدر، يقول رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله عن ناقته قال: يارسول الله أأعقل ناقتي أم أتوكل؟ قال: اعقلها وتوكل، فنحن أهل سبب وأهل إيمان بالقضاء والقدر، فمن أراد أن ينجح فليسأل الله تعالى النجاح وليثابر على المذاكرة؛ فإن الله عز وجل سوف يوفقه ويهديه سواء السبيل، فالأسباب لا يعطلها القضاء والقدر.

وبعض الناس يبلغ بهم التواكل إلى إيمانهم بالقضاء والقدر، فيقولون كل شيء بقضاء وقدر، فلا نحرص على شيء ولا نفعل شيئاً، وبعضهم يحرص على الأسباب، ولذلك ذكروا عن بعض الحمقى، قيل جحا وقيل غيره، كان يريد أن يشتري حماراً من السوق، فقيل له: أين تريد؟ قال: أريد أن أشتري حماراً، قالوا: قل إن شاء الله، قال: لماذا أقول إن شاء الله؟ الدراهم موجودة والحمار موجود في السوق، فذهب فضاعت منه الدراهم، فعاد إلى بيته قالوا: أين الحمار؟ قال: ضاعت الدراهم إن شاء الله!

فالآن تذكر (إن شاء الله عز وجل) فالآن أبطل القضاء والقدر، وبعض الناس من أهل التصوف أبطلوا الأسباب، فبعضهم يخرج في الصحراء، قيل له: خذ خبزاً، قال: لا.

الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هو الرزاق العليم، فيذهب فإذا توسط الصحراء بحث وبحث ودعا الله أن ينزل له خبزاً من السماء، ثم يموت، لأنه ترك الأسباب.

وقد ذكر ابن تيمية عن هؤلاء المتواكلين الصوفية عجائب لا يعلمها إلا الله عز وجل، لكن نحن أهل الإسلام وأهل السنة -نسأل الله أن يجعلنا منهم- مأمورون أن نؤمن بالقضاء والقدر، ونؤمن بتعاطي الأسباب، وسمعت أنا شخصاً -نسأل الله أن يهديه- يقول لزميله وهو يذاكر، قال: ذاكر والله لن تنجح إلا بالمذاكرة، لأن ذاك كان يدعو بعد الصلاة، قال: ضيعت الوقت يا أخي تعال ذاكر، قال: أنا أدعو الله بالنجاح، قال: النجاح أن تذاكر لا أن ترفع يديك بعد الصلاة، نعوذ بالله، وهذا فجور وفسق، إن فعله بجهل فيُعَلَّم، وإن كان علم فإنه فاجر فاسق، فنحن مأمورون بكثرة الدعاء وببذل الأسباب، وإذا بلغت الأمور مبالغها، وقد اجتهدنا فلا لوم، المعاتبة تأتيك والأسف إذا لم تفعل شيئاً ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال عليه الصلاة والسلام: {احرص على ما ينفعك} انظر ما أحسن اللفظ: {احرص على ما ينفعك} من أمور الدنيا والدين {واستعن بالله ولا تعجز} لأن العجز مخالفة الأسباب أو تركها {فإن أصابك شيء؛ فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، لكن قل: قدر وما شاء فعل} فهذا معنى قدر الله وما شاء فعل، هذا مكانها، وهذا موضعها، إنسان يذاكر لينجح، فلما ذاكر وسهر وبذل ولخص وراجع، وشرح وأدمن القراءة، كتب الله عليه أن يرسب؛ فله أن يقول: قدر الله وما شاء فعل، فنقول: صدقت وأحسنت وآجرك الله على هذه المصيبة، لكن إنسان نام وكتبه ليست موجودة ولا يدري ما هو المقرر، ودائماً يسأل الناس قبل دخول القاعة، ويقول: النجاح على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ثم رسب، فيقول له الناس: ما لك؟ فيقول: قدر الله وما شاء فعل، كلامه صحيح لكنه ملام، لأن كسبه ليس معه، فلم نلم الأول لأنه كسب وكسبه معه، فكسبه يدافع عنه، وهذا نلومه لأنه ليس له كسب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>