للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قصة محمد بن واسع]

قتيبة بن مسلم يحاصر كابل، فلما حضر قال: أين محمد بن واسع؟ ومحمد بن واسع عابد زاهد عالم، قالوا: هو في طرف الجيش، قال: اذهبوا إليه وانظروا ماذا يفعل، فذهبوا ونظروا، فإذا هو يذكر الله ويدعو الله وإصبعه تشير إلى السماء، فعادوا إلى قتيبة فدمعت عينا القائد قتيبة، وقال: والذي نفسي بيده لأصبع محمد بن واسع، خير عندي من مائة ألف سيف شهير، ومن مائة ألف شاب طرير.

وانتصر الإسلام يوم عرفنا الله، والأمة التي لا تعرف الله يعرفها نفسه بالأعداء، ويدعك أنفها في التراب حتى تعرفه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وثقافة بلا إيمان والله لا تنتج إلا خسارة ودماراً وانهزامية، وأدب بلا إيمان ضياع لمعطيات الشعوب والأمم، ورياضة بلا إيمان ضحك على العقول، وضحك على العقلاء والعلماء وعلى الأمم جميعاً، يوم أتى صلى الله عليه وسلم كان الناس بحاجة إلى مصانع، ومأكولات، ترك ذلك وبنى مسجده من طين، وبدأ من مسجده يبث الثقافة الهائلة والحضارة العامرة، يعلم في مسجده صلى الله عليه وسلم، أخرج أكبر العلماء وأجل المفسرين، وأكبر الأدباء، فما حصر مسجده في مهمة، إن بعض الناس قد ينكر استخدامنا لبعض الوسائل، ويقول: كيف تحضر هذه الوسائل في مثل المسجد؟ إننا نقول له: يا أيها المسلم! أنترك هذه الوسائل للكافر ليتعدى بها علينا ويبث بأفكاره في مجتمعاتنا بالوسائل ونبقى على الوسائل البدائية الساذجة القديمة؟ لا.

والله لا يسبقنا، نحن أمة الإيمان والحب الطموح.

الرسول صلى الله عليه وسلم يعقد مهرجاناً أدبياً في مسجده ويحضر الشعراء في مسجده ويقرب المنبر بيديه الشريفتين لـ حسان ويقول: {اهجهم وروح القدس تؤيدك} الرسول صلى الله عليه وسلم يعقد الندوات، ويحول المسجد إلى دار قضاء يفاوض القضاة ويطرح الأحكام والفتيا.

الرسول صلى الله عليه وسلم يجعل من المسجد مجلس شورى، ويجعل صلى الله عليه وسلم من المسجد تعليماً وتربية وثقافة، من أين أدخل عليه صلى الله عليه وسلم؟

المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:٢١] وقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} آل عمران:١٥٩] الله يزكيه من فوق سبع سموات ويقول له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] عظيم صبرك، وعظيم حلمك وكرمك، كيف استطعت على أمة العرب التي هي كقرون الثوم متشاكسة متضاربة متحاربة متحاقدة، كيف جمعت بينها وألفت بين قلوبها؟ قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:٦٣].

إن أكبر معجزة أن يأتي صلى الله عليه وسلم إلى أمة أمية، إلى أمة جاهلة وهو أمي، فيبني منها أعظم حضارة في تاريخ الإنسان.

أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الأموات أحياه

من جعل الرجل من الصحابة يتذكر عظمة الله في كل ساعة وفي كل طرفة؟

عمر بن الخطاب يمر على راعي غنم ويقول لراعي الغنم: [[يا أيها الراعي! بعني شاة من غنمك، قال: إنها لسيدي وإن سيدي لا يسمح بذلك، قال: قل لسيدك أكلها الذئب، قال الراعي: الله أكبر يا عمر! أين الله؟ فبكى عمر حتى جلس، وقال: إي والله أين الله؟]] فمن علم الراعي مراقبة الواحد الأحد؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>