وفيه دليل على أن التوبة أعظم منزلة في الإسلام، حتى قال فيها شيخ الإسلام ابن تيمية: إن أعظم منزلة يصل إليها العبد منزلة التوبة، لن يصل إليها أحد بسهولة، فهي أعظم المنازل، لذلك يقول الله تعالى في آخر العهد:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ) [التوبة:١١٧] كيف يتوب عليهم؟ لما كانت غزوة تبوك من آخر الغزوات تاب الله عليهم، فهي آخر المنازل وأرقاها، إذاً: أكبر منزلة لك هي منزلة التوبة، لذلك قال: {أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك}.
والرسول صلى الله عليه وسلم ربما قام في مجلسه لاستقبال الناس أحياناً، للفائدة: يقول عمرو بن العاص: لما أسلمت، قدمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عثمان بن شيبة بن طلحة الداري -من بني عبد الدار أهل مفاتيح الكعبة- وخالد بن الوليد وأناس، فقلت لأصحابي هؤلاء: إما تأخرتم عني أو تقدمت؛ لأن لي ذنوباً أريد أن أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بها -قدم مشركاً ولكن يريد الإسلام- قال: فلما رآني صلى الله عليه وسلم، هش في وجهي وبش وقام وعانقني.
لماذا؟ لأن عمرو بن العاص ليس كغيره، أرطبون العرب، يقول عمر بن الخطاب: رمينا أرطبون الغرب بأرطبون العرب، داهية الإسلام، ومعناه: مكسب للدعوة، ولو أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلس في مجلسه، مع أن هذا جاء بنعرة الجاهلية، ومروءة الجاهلية وشهامتها، ربما يرجع؛ لأن بعض الاستقبال من بعض الدعاة ربما ينفر المدعو، يأتيك يسألك بسؤال، فتقول: لست لك بفارغ، يأتي يبحث معك مشكلة الهداية، كيف أهتدي؟ فتقول: أنا مشغول، حاول تبحث عن غيري، هذا ليس بأسلوب.
قال: فعانقه وهش في وجهه وبش.
وإكمالاً للفائدة، قال: يا رسول الله! مد يدك أبايعك، فلما بسط صلى الله عليه وسلم يده، قبض عمرو بن العاص يده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{مالك يا عمرو، قال: أشترط -أي: لا أبايعك إلا بشرط- قال: تشترط ماذا؟ قال: أشترط أن يغفر الله لي ذنبي.
قال: أما تعلم يا عمرو، أن الإسلام يهدم ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها؟ قال: فأسلمت، فوالله الذي لا إله إلا هو، ما كان أحد أحب إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووالله ما كنت أملأ عيني إجلالاً له، ووالله لو سألتموني الآن -وهو في سكرات الموت- ما استطعت أن أصفه لكم عليه الصلاة والسلام}.