وليس المقصود الذي يقترف السيئة ثم يتوب ويستغفر، إنما المقصود هو الذي انقطع حبله وشرد، كما يقول ابن تيمية في رفع الملام عن الأئمة الأعلام: "وشرد عن الله كما يشرد الجمل الشارد عن أهله.
فالمقصود بالعاصي هو الذي تهتك بالمعاصي، وأصبحت له جبلة، وأحبها وآثرها وفكر فيها، واستبدل مكان الطاعات معاصياً حتى إنك تجد مكان المصحف مجلة، ومكان التلاوة أغنية، ومكان السواك سيجارة، ومكان الكتاب الإسلامي مجلة خليعة، ومكان الأخيار والأبرار والدعاة فساقاً وفجاراً يجلس معهم ويهواهم، ومكان المسجد مقهى ومنتدى وجلسة حمراء تُغضب الله عز وجل فلا يزال العبد يفعل ذلك حتى يجد ظلمة في قلبه.
قيل لأحد الفلاسفة المعرضين عن الله: مالك لا تتوب إلى الله؟ قال: أحاول دائماً أن أتوب فلا أستطيع، أصبح قلبي ظلمات بعضها فوق بعض.
وكان ابن عمر يقول: [[اللهم إني أعوذ بك أن تحول بيني وبين ما أشتهي.
لأن الله يقول:{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ}[سبأ:٥٤] قالوا: كيف يحال بينك وبين ما تشتهي؟ قال: أريد أن أقول: لا إله إلا الله، فيحال بيني وبين لا إله إلا الله]] فلا يزال العبد يعصي الله ويتهتك في حدوده ويعرض عن بيوته؛ حتى يحال بينه وبين لا إله إلا الله محمد رسول الله في سكرات الموت، وذكروا أن بعض الناس قيل له في سكرات الموت: قل لا إله إلا الله؛ فحيل بينه وبين لا إله إلا الله، حاولوا وكرروها عليه، رددوا لا إله إلا الله فما استطاع أن يقولها.
فظلمة المعصية ظلمة محسوسة وظلمة معنوية يجدها العاصي في قلبه، لكنه لا يستطيع أن يخرجها لأنه ما صمم على التوبة والعودة إلى الله.