للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مهمة الفنان]

ماهي مهمة الفنان في الحياة؟

هذا العمل الذي ما عرفنا أوله من آخره، ولا عرفنا مصدره ولا أثره.

المهندس عرفنا جهده، والطبيب، والعالم، والتاجر، والفلاح، والجندي، إلا هذا الفنان الذي لا يعرف عمله أبداًَ إلا في هدم المجتمع، ولا يعرف شغله إلا في تدمير الأخلاق، هذه هي مهمة الفنان دغدغة المشاعر استثارة الغرائز تحطيم المجتمع تحبيب الفاحشة، فإن الغناء بريد الزنا، وكذلك غرس النفاق في القلوب، والتهجم على الأعراض، وتضييع شباب الأمة، وتهييج فتيات الأمة هذه هي مهمة الفنانين في الحياة.

مات موسيقار قبل أيام؛ فقامت الدنيا وقعدت من أجل موته، وقام زعماء الأنظمة الأرضية يعزون في موته هؤلاء الزعماء الذين قتلوا العلماء، وحبسوا الدعاة، واضطهدوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومشى العالم في جنازته، وقامت الصحف الصباحية تقول: أصبح الفن الآن بلا أب، وأصبح يتيماً بلا أم!! أيتمهم الله، وقصم الله ظهور مروجي الفتنة في مجتمع الإسلام.

وهل كان محمد عليه الصلاة والسلام مسئولاً عن إخراج جيل فنان لاهي لاعب لا يعرف أثره، ولا مهمته، ولا شغله في الحياة؟! لا والله، ما بعث إلا لإعزاز بلاد التوحيد ولنصب الفضيلة في العالم.

بلاد أعزتها جنود محمد فما عذرها ألا تعز محمدا

دماء المسلمين في فلسطين وفي أفغانستان وفي كل بلد من بلاد الرحمن تُسال، والعزف والناي في البلاد الأخرى!

دم المصلين في المحراب ينهمر والمسلمون فلا رجع ولا خبر

إذا تفاخر بالأهرام منهزم فنحن أهرامنا سلمان أو عمر

أهرامنا شادها طه دعائمها وحي من الله لا طين ولا حجر

هذه أهرامنا، وهذا فننا، وهذه نجومنا أبو بكر وعمر، ابن تيمية، مالك، أحمد، ابن القيم، أما هؤلاء السقطة فليسو نجوماً لأمة الإسلام، وإنما هم عملاء ومخربون في دار الإسلام.

في العالم الإسلامي شيوخ فنانون، بلغوا الثمانين من العمر ويغنون، يقول الأول:

ويقبح بالفتى فعل التصابي وأقبح منه شيخ قد تفتى

ويقول الآخر:

هب الشبيبة تبدي عذر صاحبها ما بال أشيب يستهويه شيطان

قدر أن الإنسان في العشرين يكون فناناً، فكيف يكون فناناً في الثمانين؟!

وكثير من أهل العلم ومن الصالحين لبسوا الأكفان في الستين من عمرهم، قال سفيان الثوري: من بلغه الله ستين سنة فليلبس كفناً وليتهيأ لدخول القبر.

وهذا في الثمانين ويغازل، ويصف الخدود والنهود، ويصف أيام الهجر والوصال، وهجر العاشقين ومحبة الوالعين، والليالي الحمراء، وقد أشرف على الثمانين!

لماذا الآهات؟!

اسمع الوسائل صباح مساء وإذا الصوت (آه) فلماذا (آه)؟ آهٍ على الحب، وعلى الهجر، وعلى عدم مراعاة الوداد، وعلى العشق والوله والغرام، فالآهات تصرف في هذا وإذا سمعته في الوسائل كأنه مطعون بخنجر.

هل تذكر يوم تأوه {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:٦]؟

وهل تذكر {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة:١ - ٣] وهل تذكر {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ مَا سَعَى} [النازعات:٣٤ - ٣٥] وهل تذكر القبر؟

والقبر فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحد براءة

وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه

إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده

وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ

هل تذكر الصراط؟ هل تذكر تطاير الصحف؟ هل تذكر الميزان؟

هذا هو التأوه، والوله، واللوعة، والأسى الذي يعيشه الفنانون.

أموال المسلمين تصب على الفن، فنان واحد في البلاد أحيا ليلة بل أماتها، ضيع بألوف المسلمين ليلةً صلاة العشاء وصلاة الفجر، يغني ويطبل، فحصل على شيك بخمسمائة ألف، من غير الهدايا التي انهالت عليه من الحاضرين، ولماذا هذا كله؟

إنه أحيا قلوبهم أمات الله قلبه، قالوا: أحييت ليلتنا، والحقيقة أنه أماتها، أما كان أولى أن يدفع هذا الشيك إلى الذين يأكلون التراب، وإلى الذين يشترون كيس البر، والسكر، والأرز ديناً؟ ما يجد أحدهم ما يشتري به، فيبقى في ظهره سنة حتى يبيع تيسه في السوق ويقضي هذا الدين، ومن شك في كلامي فليجعل يده في يدي وأذهب به وأوقفه على ألوف من هؤلاء الذين لا يجدون كسرة الخبز، فالكماليات لا يريدونها، وزيادة الملابس لا يريدونها إنما يريدون خبزاً للبيت، والملايين والألوف تصب على هؤلاء الذين لا يخافون الله ولا يرجون لقاءه.

فوا عجباً كم يدعي الفضل ناقص ووا أسفاً كم يظهر النقص فاضل

إذا عير الطائي بالبخل مادر وعير قساً بالفهاهة باقل

وقال السهى للشمس أنت كسيفة وقال الدجى للبدر وجهك حائل

فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل

<<  <  ج:
ص:  >  >>