[تساؤلات بين الماضي والحاضر]
الحمد لله الذي شرح صدور أهل الإسلام للسنة، فانقادت لاتباعها، وارتاحت لسماعها، وأمات نفوس أهل الباطل بالبدعة بعد أن تمادت في ابتداعها، وتوانت في نزاعها.
والصلاة والسلام على أشرف رسول وأكرم نبي، حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، الذي شرح الله له صدره، ورفع له ذكره، ووضع عنه وزره، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
وإن كان من شكر فإني أشكر الله تبارك وتعالى أن أجلسني في هذا المجلس بين أساتذتي ومشايخي وبين زملائي، من أراهم أفضل وأعلم وأفهم، ولكن كما قال أحمد شوقي:
قد يضيق العمر إلا ساعةً وتضيق الأرض إلا موضعا
وللمواضع وللأمكنة وللبلاد سمات في القلوب، وشجىً في الأرواح، وأثر في النفوس، وهذا المكان درجت في رحابه، ونبتُّ في جنابه، فهو معهدي الذي أتشرف بأني درست فيه، وأساتذتي هم أساتذته، ومشايخي هم مشايخه، فمن الحق أن أقضي بعض الدين الذي كلفني الله بقضائه، نصيحةً للمسلمين، وأداءً للواجب.
فهذا الموضوع (أزمات تواجه الشباب المسلم).
الشباب الذين يريدهم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى لحمل لا إله إلا الله، وليعيشوا للا إله إلا الله، وليموتوا من أجل لا إله إلا الله.
الشباب الذين حداهم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكانوا أكثر كتائبه في الإسلام، وكانوا خطباءه على المنابر، وكانوا أدباءه في الحفلات والأسمار، وكانوا رسله عليه الصلاة والسلام.
كلما قتل قتيل إذا فتشتم عنه فإذا هو شاب، وإذا تكلم متكلم ثم بحثتم عنه فإذا هو شاب.
أولئك الشباب كانوا خياراً، وكانوا نوراً، وكانوا فخراً، وما لشبابنا اليوم تتجاذبهم الشهوات والشبهات، اختفى النور الوهاج الذي أتى به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يقول شاعر البنجاب محمد إقبال وهو يطوف قبل أربعين سنة بالبيت العتيق، ويبحث أين الشباب الذين رفعوا معلم التاريخ؟
أين الشباب الذين قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله، وقدموا أرواحهم ثمناً لمرضاة الله، أين هم؟
وجد شباباً يطوفون بالبيت لا تبدو عليهم معالم الإسلام، ولا تلوح على محياهم آثار السنة، ولا يتتوجون بتاج لا إله إلا الله.
صحيح أنهم يصلون ويصومون ويزكون ويحجون ويعتمرون، ولكن أين الآثار؟ أين الحياة؟ أين الحماس المتوهج؟ فبكى طويلاً وسجل قصيدته التي نثرها من دمه، وهي: تاجك مكة -أي: مكة البلد الكبير- يقول:
من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا
كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا
بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا
لم تنس إفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا
إلى أن يقول:
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا
لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا