وقبل البدء بالحديث نقول: إن المهم أن يجتمع مثل هؤلاء النفر ليذكروا الله ويشهدوا بيوته لتتنزل عليهم رحمة الله وسكينة الله وتحفهم ملائكة الله، وهذا الحديث الذي معنا هذه الليلة يدور حول هذه القضايا، وحول هذه المقدمة والديباجة، وهو حديث من قواعد الإسلام، ولكنه لم يروه الإمام البخاري بل رواه العالم الرباني أبو الحسين مسلم بن الحجاج في صحيحه فقال: عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه -استمعوا إلى كلامه صلى الله عليه وسلم يوم يلقى على الأسماع فيربي القلوب- يقول: قال صلى الله عليه وسلم: {من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه إلا نزلت عليهم الرحمة، وغشيتهم السكينة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه} رواه مسلم.
ومسلم هذا الذي نسمع اسمه يدوي على منابر المسلمين، وفي حلقات العلم، وفي فصول الدراسة، وفي المجامع العامة، من هو؟
إنه علم ونجم من نجوم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أخلص لهذا الدين، وسعى لمشروع باهر وهو جمع الأحاديث الصحيحة كما فعل البخاري، فلما اطلع الله عز وجل على نيته وإخلاصه رفعه وحفظ كتابه:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}[الرعد:١٧] إن من يتكلم لله يحفظ الله كلامه، ومن يكتب لله يحفظ الله كتابته، ومن يعمل لله يحفظ الله عمله، وأما المراءون والمفترون والدجالون فلا حظ لهم في سنة محمد صلى الله عليه وسلم.
جاء أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري فعمل هذا الكتاب العظيم الذي أُرشدكم لمطالعته لتزدادوا إيماناً ويقيناً وعلماً وفهماً وفقهاً في الدين، فلقد أخذت منا الكتب البيضاء -ولا أهاجم كل الكتب البيضاء، لكن الكتب الرخيصة التي لا تساوى حبرها الذي كتبت به- أخذت منا الساعات الثمينة وصدتنا عن كتب السلف فأصبح علمنا محجوزاً وفهمنا للدين ضعيفاً هزيلاً.
فهل من عودة إلى كتب السنة؟ وهل من جلسة مع صحيح البخاري أو مع صحيح مسلم في الرياض اليانعة، في تلك البساتين الوارفة التي تقودك إلى جنات النعيم.