[من الأخطاء: عدم الرجوع إلى المستنبطين]
أيضاً من أخطائنا: عدم الرجوع إلى الذين يستنبطونه، من هم الذين يستنبطونه؟ هم أهل العلم، قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:١٨] وقال سبحانه وتعالى عن صنف وشريحة من الناس: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:٨٣] والذين يستنبطونه منهم هم أهل الفقه، وأهل الرأي والعقل، فالخطيئة التي نرتكبها ونخطئ فيها، أننا لا نعود وقت الحوادث إلى العلماء، مثل فتنة قتل الشيخ جميل الرحمن، أصبح الكثير يتكلم، وكل أخذ منبراً، وكل تحدث، حتى من أناس ما رأينا لهم حديثاً في الإيمانيات ولا في العقيدة، ولا في الفكر الإسلامي، أو الأدب الإسلامي، أو في الردود على المبتدعة والضالين، ومع ذلك تكلموا في الفتنة.
مع العلم أن لنا مادة علمية ولنا عالم نباهي به علماء الأمة، وهو سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، فلماذا لم نعد إليه؟ لماذا لم نسأله؟
ما رأيه في الأزمة وما رأيه في المشكلة؟
فهو عالم، والله يأمرنا أن نعود إلى العلماء في الأزمات بقوله: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:٨٣] والذين يستنبطونه هم العلماء: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٤٣] وهذه المسائل حساسة، وتودي إلى فتن رهيبة في الأمة لا يعلمها إلا الله (أعط القوس باريها) هذا مثل عند العرب، وهو أن تعطي كل صاحب تخصص تخصصه.
عرض على عمر رضي الله عنه وأرضاه بيت من الشعر لأحد الشعراء، هجا به أحد الشعراء الزبرقان بن بدر.
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فهل يستدعي عمر أبي بن كعب سيد القراء؟ أو زيد بن ثابت صاحب الفرائض؟ لا إنما يستدعي صاحب القافية، وشاعر الدين والملة، حسان بن ثابت، وقال: ما رأيك في البيت؟ أهجاه؟ قال: لا ما هجاه ولكن سلح عليه؛ فلا بد من الرجوع إلى أهل العلم.
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين من حديث ابن عمرو: {إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العلماء، ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوساً، وفي لفظ رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا}.
فنحن لن يتوقف حال المسلمين على فتواي أو على فتواك، ولا احتاجتنا الأمة، وقد كان الصحابة يتدافعون الفتيا، ونحن نقفز وندخل في الفتيا، ونحبها ونحببها ونأخذها بالقوة، وليس هذا من الحكمة.
فينبغي لنا إذا حصل حادث أو طرأ طارئ على الأمة أن نعود إلى الذين يستنبطونه، وأن نسألهم وأن نتريث حتى يصدروا أمراً، فإن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطئوا فأجر واحد، ونسلم نحن من التبعة، ونسلم من اللوم، ونسلم من الإثم، ولنولِّ حارها من تولى قارها.
وسوف نعود بموقف موحد، وسوف تجتمع قلوبنا إذا عدنا إلى الذين يستنبطونه من العلماء.
وأمر آخر وهو أنه ينتقد العلماء بسهولة في مجالسنا، يخطئ الواحد منهم في مسألة فرعية، فننقده، وننسى حسناته، فلابد أن نعرف أن هؤلاء العلماء -بإذن الله- لولاهم لخطب الدجال من على المنبر، ولاستبيحت كرامة الإسلام، ولمرغ الإسلام في التراب.
إن العالم الذي يفتي في الحيض يشرف هذا الدين، والعالم الذي يفتي في مسائل فرعية يرفع رأس هذا الدين، والعالم الذي سد علينا ثغرة أحسن كل الإحسان، وانتهاك حرمة العلماء، واقتحام هذا السياج الخالد المقدس بسهولة أمر لا يقره الإسلام ولا الأدب، فلابد أن نعرف قدرهم وأن نحترمهم.