[الوقفة الحادية عشرة: أحكام المسح على الخفين]
المسألة الحادية عشرة: مسألة المسح على الخفين: وهي لا تخفى على مسلم عنده فقه في دين الله، ولكن يختلف المسح على الخفين في السفر عنه في الحضر، والمسح على الخفين فيه ثلاثة أقوال لأهل العلم:
قولٌ يقول: لا يحدد المسح إلا في الإقامة، أما في السفر فامسح ما بدا لك، وهذا قول الإمام مالك وابن تيمية، وقد مسح ابن تيمية سبعة أيام في سفره من دمشق إلى الاسكندرية في مصر، وخالفه وغضب عليه علماء الشافعية، مثل ابن مخلوف وابن الزملكاني، وقالوا: خالف السنة، لكن عنده دليل، ومعه أناس منهم عمر رضي الله عنه، وعقبة بن عامر وغيرهم، فالإمام مالك يرى أنه لا يحدد المسح.
وقوم قالوا: ثلاثة أيام في السفر ويوم وليلة في الحضر وهو الصحيح.
وقوم قالوا: لا يحدد في السفر ولا في الحضر وأنكروه، وهم الرافضة الضلال المبتدعة الذين هم أغبى من الحمير.
قال الشعبي لما ذكر هذه المسألة: إذا دخلت باب الزج، فخذ بيدك أحد أهل باب الزج وحرج عليه فإنه حمار، وقد ذكر هذا ابن تيمية في منهاج السنة؛ لأنهم ضلوا في هذه، يقول الإمام أحمد: سبحان الله! نقل المسح على الخفين سبعون من الصحابة وأنكرها الضلال.
يعني الرافضة.
يقول سفيان الثوري: من عقيدتنا المسح على الخفين.
فأدخلها في مسائل الأصول؛ لأنه خالف فيها تلك الفرقة الضالة.
إذاً فالمسح في السفر ثلاثة أيام، والثقوب في الجورب لا عبرة بها، بل لك أن تمسح ولو كان به ثقوب وقد ذكر ذلك ابن تيمية وقال: إنهم اشترطوا شروطاً في المسح على الخفين ليست في كتاب الله عز وجل ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما هذا من وضع الآصار والأغلال على الأمة، والتكليف بما لا يطاق، والله عز وجل يوم سن هذا ورسوله عليه الصلاة والسلام إنما هو للتيسير على الناس، فكيف نأتي إلى الناس بعد أن يسر الله لهم المسح على الخفين ونقول: لا بد أن يكون مخروزاً، وأن يكون قائماً بنفسه، وأن يستطاع المشي عليه، بل شرطه الوحيد هو أن يسمى خفاً في لغة العرب.
ثم يقول ابن تيمية: وهل كانت خفاف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلا مشققة، فقد كانوا قوماً فقراء ليس عندهم شيء، فكانوا يلفون اللفائف على أرجلهم حتى أن أحدهم يأخذ من قماشه -من بزه من ثوبه- ويقطعها ثم يلف بها على أرجله ويمسح عليها فيبدو منها ما شاء الله أن يبدوا.
وفي سنن أبي داود عن ثوبان رضي الله عنه وأرضاه، قال: {أرسلنا صلى الله عليه وسلم في سرية، فأمرنا أن نمسح على العصائب -أي: العمائم- وعلى التساخين الخفاف} إذاً فالأمر فيه يسر وسهولة، فالخف عند العرب هو الذي يستر المكان ستراً لا تشدد فيه، فلا يشترط أن يأتي إنسان بناظور وينظر في رجله هل يرى رجله من تحت الجورب أو لا يراها، أو يصب ماء حاراً هل يحس به أو لا، فالتعمق والتدقيق ليس وارداً في الإسلام، إنما يلبس ويتوكل على الله عز وجل ويكون سهلاً ميسراً ويمسح على جوربه بشرط أن يدخلهما على طهارة.
وقد ورد في البخاري ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة قال: {خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهويت لأنزع خفيه، قال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين} فإذا أدخلت رجليك طاهرتين، فلتمسح عليهما في السفر ثلاثة أيام، ولا تخلعها إلا بعد حدث، أي: يستمر على الوضوء بعد الثلاثة إذا كان متوضئاً فإذا أحدث بعد الثلاثة الأيام فليخلعها.
وهذا هو الأحسن -ثلاثة أيام- لكن من زاد أربعة أيام أو خمسة أو ستة أو سبعة فله ذلك، وما أتى بمحرم، بل سبقه إلى هذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كلامه من السنة إذا وافق السنة، لقوله عليه الصلاة والسلام: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي} قال عقبة بن عامر [[أتيت من الشام، فدخلت على عمر رضي الله عنه وأرضاه، فرأى في رجلي خفين، فقال: متى لبستها؟ قال: لبستها من الشام، قال: كم أخذت؟ قلت: سبعة أيام، قال: هل خلعتها؟ قلت: لا.
قال: لو خلعتها لأوجعتك ضرباً]] لأنها خلاف السنة، فهو أخذها سبعة أيام، وذكر ذلك ابن تيمية وفعلها، فمن فعل ذلك فلا عليه إن شاء الله، لكن الثلاثة الأيام هي الأقرب للدليل.