للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[لا تغتر بكثرة الهالكين]

دعا نوح وما استجاب له إلا قليل، وبعض الأنبياء ما استجاب له أحد، ولكن أجرهم عند الواحد الأحد، فادع وما عليك، وأجرك على الله.

أهل الباطل عندهم السلاح والوسائل والمغريات ووسائل أهل الحق منبر وكلمة ودرس ومحاضرة، مع أن الوسائل التي في ساحة العالم عظيمة جد عظيمة.

قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[اللهم إني أعوذ بك من عجز المؤمن وجلد الفاجر]] ترى الفاجر قوياً ذكياً داهية، وترى المؤمن عاجزاً كسلان.

ولذلك انظر إلى أهل الباطل كيف يتفانون مثل شعراء الحداثة، أما ترى عناوينهم البراقة؟! أما ترى بعض الأساليب التي يعرضونها لاستغواء الناس، أما ترى جمال العبارة؟! إنهم يسحرون به الناس، وبعض الدعاة إذا أتى عقّد كلمته وعقّد قصيدته، وأغلظ في خطابه، مع العلم أن الناس لا يأتي بهم إلا البسمة الحانية، والكلمة الرائعة، والأدب الفياض، والسحر الحلال الذي ليس بحرام.

قال سبحانه: {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} [المائدة:١٠٠] فكثرة أهل الباطل من عقبات هذه الدعوة، وقد سبق قول بعض العلماء: أهل الإسلام قليل في العالم، وأهل السنة قليل في أهل الإسلام، فلا عليك من قلة أصحابك، فإن الخير في القليل.

فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال

ويقول الأول:

وقد كنا نعدهم قليلاً فقد صاروا أقلَّ من القليل

قال بعض التابعين: [[لا تستوحش طرق الهدى لقلة أهلها، ولا تغتر بكثرة الهالكين]].

وأهل السنة قد يكون واحداً أو جماعة قليلة، فعليك بالجودة ولا تتبع الكثرة.

يحتج بعض الناس لتركه الهداية، فيقول: كل الناس يفعلون هذا، وانظر إليهم، إذاً فأنا مع الناس.

وعند الترمذي بسند فيه كلام: {لا يكن أحدكم إمعة، إن أحسن الناس أحسن، وإن أساءوا أساء، ولكن وطنوا أنفسكم إذا أحسنوا فأحسنوا، وإذا أساءوا فتجنبوا إساءتهم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>