[ترجمة لرجال السند]
أما رجال هذا السند, فقد مروا معنا, عبد الله بن يوسف هو التنيسي من مصر، وهو من أعظم شيوخ الإمام البخاري.
ومالك بن أنس يكفي أنه نجم هذا العلم وشمسه.
ومالك حيث أفتى في مدينته فلست أرضى بفتوى غير فتواه
يكفي أنه كالنار على العلم فلا يُعرّف.
وأما ابن الشهاب فهو الزهري , واسمه: محمد بن شهاب الزهري من بني زهرة.
وسالم بن عبد الله هو ابن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم جميعاً، وسالم هو من علماء التابعين, ومن فقهاء المدينة السبعة، وكان ابن عمر يقبله وفي رأسه الشيب، ويقول: انظروا إلى شيخ يقبل شيخاً، ولذلك كان سالم إذا فارقه لا يستطيع أن يصبر، بل كان يبكي حتى يعود، ويقول ابن عمر:
يلومونني في سالم وألومهم وجلدة بين العين والأنف سالم
[[دخل سالم البيت الحرام يطوف به معتمراً، فلقيه الخليفة هشام بن عبد الملك، فسلَّم عليه، وقال: يا سالم! ألك حاجة إلي؟ أعليك دين أقضيه؟ وهشام بن عبد الملك كان خليفة المسلمين آنذاك، فقال سالم -وقد احمر وجهه غضباناً-: "أما تستحي تقول لي هذا الكلام في بيت الله" أي: أنه لا يُسأل في هذا المكان إلا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
فلما خرج هشام بن عبد الملك ومعه موكبه من الحرم تعرض لـ سالم، فلمَّا خرج سالم، وحِذَاؤه بشماله؛ قال هشام بن عبد الملك: إنني عرضت عليك قبل فاعتذرت، وأريد أن تخبرني بحاجتك.
قال سالم: أمن حوائج الدنيا، أو من حوائج الآخرة؟
قال هشام: وهل أملك أنا حوائج الآخرة؟!
فقال سالم: "والله ما سألت الدنيا ممن يملكها -وهو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- فكيف أسألها منك أنت؟!]] فكان رضي الله عنه وأرضاه من أزهد الناس، وكان من أجمل الناس، حتى إن هشام بن عبد الملك لما زار المدينة جلس معه سالم، فنظر إليه، فقال: يا سالم! أتأكل اللحم؟
قال: إن اشتهيته أكلت قليلاً فأصابه بالعين، فمرض؛ فمات؛ فقال أهل المدينة: لا رحم الله هشاماً؛ أخذ جيشنا وأرسله في بلاد الروم حتى قتله عن آخره، وقتل عالمنا بعينه، وهذه أوردها الذهبي وغيره من أهل العلم.
يقول: عن أبيه عبد الله بن عمر رضي الله عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار، وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال: {دعه، فإن الحياء من الإيمان}.
مجمل معنى الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم مرَّ على رجل يؤنب أخاه، ويقول: قد أضر بك الحياء، وقد استحييت حتى تركت حقوقك، وتركت ما ينبغي لك، وقد بالغت في الحياء، هذا معنى الحديث.
وقد يفهم على أنه يقول له: استحي، أو استحي من الله عز وجل.
وهذا فهم مقلوب، بل الفهم الذي صرح به أهل العلم أنه يقول له: إنك أصبحت تستحي حتى أضر بك الحياء، فما هذا الحياء؟! فيقول صلى الله عليه وسلم ينكر على الناصح الذي يوصي أخاه: {دعه -أي: لا تنصحه- فإن الحياء من الإيمان}.
أتى الإمام البخاري رحمه الله بهذا الحديث ليدلل على أن أعمال القلوب تدخل في مسمَّى الإيمان، وهو لا يزال يشن حرباً ضروساً على المرجئة من أول الكتاب, فمرة يتجه إلى الخوارج فيرد عليهم، ومرة إلى المرجئة، ومرة إلى الكرامية، فهو بهذه الفصول والأبواب المتأخرة يرد على المرجئة.
والقضية التي نتكلم عليها هنا هي: ما هو الحياء المطلوب؟ وما هو الحياء المحمود؟ وهل كل حياء يحبه الله عز وجل؟ وهل هناك حياء مذموم لا يحبه الله عز وجل ولا رسوله؟