يقول عليه الصلاة والسلام وهو يتحدث عن رسالته -وهذا العنصر الثاني- كما روى البخاري ومسلم عن أبي موسى قال:{مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث - انظر إلى اختيار الغيث ودون المطر_ أصاب أرضاً فكان منها طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب حبست الماء -وفي رواية أمسكت الماء- فسقوا وزرعوا، وكان منها أرض إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك كمثل من نفعه الله بما أرسلني به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به} يقول عليه الصلاة والسلام يا أهل الصحوة! يا أيتها الأمة الخالدة! يا أمة لا إله إلا الله! يا من حمل مشاعر الخير للبشرية! مثل ما بعثني الله به إليكم كمثل الغيث ولم يقل المطر.
بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا
فلماذا لم يقل المطر؟
قال بعض أهل العلم: لأن المطر غالباً استخدم في القرآن في مواطن العذاب، قال تعالى:{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ}[الشعراء:١٧٣]{قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}[الأحقاف:٢٤] فعدل عن المطر وأتي بالغيث.
ثم هناك خاصية أخرى: لأن الغيث فيه غوث للأرض، وكذلك العلم فيه غوث للقلوب.
وهناك خاصية ثالثة ذكرها القرطبي وغيره:"أن العلم صاف من السماء ما شابته الفلسفة والمنطق، كالغيث الذي نزل رحباً من السماء ما داخله الكدر ولا الطين" وهذا معنى بديع، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: رسالتي والعلم الذي جئت به قال الله وقال رسوله، هذا العلم أتى كالغيث أصاب أرضاً.