للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عبادة عمر رضي الله عنه]

أما عبادته: فأعظم عبادة الصدق مع الله، وقف عند الجمرات في آخر حجة حجها وقال: اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتةً في بلد رسولك، قال له الصحابة: من يريد الشهادة يا أمير المؤمنين يخرج إلى قتال الأعداء، ولا يقتل في المدينة قال: هكذا سألته وأسأل الله أن يلبي لي ما سألت، وعاد إلى المدينة، وفي أول ليلة رأى في المنام كأن ديكاً نقره ثلاث نقرات، فذهب في الصباح إلى أسماء بنت عميس الخثعمية زوجة جعفر بن أبي طالب زوجة الشهداء، هذه المرأة الصالحة ما تتزوج رجلاً إلا ويقتل شهيداً، حتى قال بعض الصحابة: من أراد الشهادة فليتزوج أسماء، قيل تزوجها ثلاثة أو أربعة كلهم قتلوا في سبيل الله، كانت تعبر الرؤيا.

قال: يا أسماء! قالت: نعم.

قال: رأيت البارحة كأن ديكاً ينقرني ثلاث نقرات فما تأويل رؤياي؟ قالت: يقتلك رجل من العجم، فاستودع الله نفسك يا أمير المؤمنين! فذهب فصعد المنبر آخر جمعة فأخذ يبكي ويقول: يا أيها الناس! من ظلمته أو شتمته أو اغتصبت شيئاً من ماله فليقتص مني قبل ألا يكون درهم ولا دينار.

وفي صباح السبت وما أدراك ما صباح السبت؛ قام ليصلي الفجر، ولما قرأ في الركعة الأولى من سورة يوسف بكى وبكى الناس فركع، وتقدم له أبو لؤلؤة المجوسي بخنجر سمه شهراً كاملاً حتى أصبح الخنجر أزرق من السم، والسبب أنه حاقد، وأن وراءه عصابة من أهل فارس وأخذ له حجة أن عمر رضي الله عنه ما حكم بينه وبين مولاه، فضرب أمير المؤمنين ثلاث طعنات فوقع صريعاً على الأرض، وهو يقول: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، فحمل، وأكمل الصلاة ابن عوف وعاد أبو لؤلؤة فقتل سبعة أو ستة ثم قتل نفسه، أما عمر فحمل على أكتاف الرجال فكان يفتح عينه وهي تمتلئ بالدموع ويقول: هل أتممت الصلاة؟ قالوا: لا.

فيقول: الله المستعان، وصل إلى بيته ووضع على الأرض فوضعوا رأسه على مخدة فقال: انزعوا المخدة من تحت رأسي علَّ الله أن يرحمني، ثم قال له ابن عباس: طوبى لك يا أمير المؤمنين! أسلمت فكان إسلامك نصراً، وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً، وتوليت فكانت ولايتك رحمة، أسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك، قال: يا ليتني نجوت كفافاً لا لي ولا علي، ثم فاضت روحه بعد أن أكمل صلاة الفجر رضي الله عنه.

وسيرته طويلة طويلة ولا يمل الإنسان من سيرة عمر، يقول ابن مسعود: إذا ذكر الصالحون فحيهلاً بـ عمر.

قل للملوك تنحوا عن مناصبكم فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها

قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها

<<  <  ج:
ص:  >  >>