للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التربية الجادة عند السلف الصالح]

تعالوا معنا ننظر إلى السلف الصالح بعد قرن المصطفى صلى الله عليه وسلم كيف ربوا وكيف وجهوا، وكيف أحسنوا التربية، وكيف أحسنوا القيام على البيوت.

يقول جعفر الصادق رضي الله عنه وأرضاه، وهو يوصي ابنه: "يا بني! لا تصاحب فاجراً ولا عاقاً ولا بخيلاً ولا كذاباً؛ فإن الفاجر قد استحق لعنة الله، وإن العاق قد أدركته ظلامة أبيه وأمه، وإن البخيل يبيعك أحوج ما تكون إليه، وإن الكذاب يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب" هذه وصايا خالدة تبث للأبناء في بيوتهم من الآباء.

وتعالوا ننظر إلى ديار الصحابة، الذين عاشوا على الهداية والرشد والاستقامة.

فهذا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، الذي رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم، عاش شاباً مؤمناً، فلما أرادت أمه أن تستهوي قلبه وأن ترده إلى الكفر، أبى؛ لأن الإيمان أصبح في قلبه كالجبال الرواسي، قالت أمه: يا بني! إلا عدت عن دينك وحلفت بآلهتها ألا تأكل ولا تشرب حتى يترك دينه.

فقال لها قولة المسلم الواثق من نفسه، المتمكن من إيمانه، الراسخ يقينه: [[يا أماه! والذي نفسي بيده، لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفساً نفساً ما عدت عن ديني، فكلي أو دعي.

فلما رأت الجد أكلت وبقيت على دينها]] إنه إيمان غرسه محمد صلى الله عليه وسلم.

وهذا مصعب بن عمير تأتيه الدنيا وهو في بيت الدنيا، يلبس الحرير والديباج، ويتسور بالذهب وهو شاب في الجاهلية، أمه أغنى امرأة من نساء مكة، فلما دعته إلى دينها أبى؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- غرس في قلبه لا إله إلا الله، فأصبح عبداً لله، وأصبح متوجهاً إلى الله، وأصبح مخبتاً لله حبسته، ضربته، عذبته، قاطعته؛ فأبى وأتى إلى دين الله عز وجل أتى ودخل على الرسول عليه الصلاة والسلام وعليه شملة ممزقة؛ فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال: {والله الذي لا إله إلا هو، لقد رأيت مصعب بن عمير وهو من أحسن شباب مكة، رواءً وثراءً، وقد ترك ذلك كله لله، فعسى الله أن يعوضه خيراً من ذلك}.

حبيب بن زيد، تربيه أمه تربية صادقة مخبتة خالصة لوجه الله، فينشأ مجاهداً، ويرسله صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب الدجال في اليمامة، فيدخل عليه وعمره يقارب العشرين، فيقول مسيلمة: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ فيقول: نعم.

قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: لا أسمع شيئاً.

فأخذه وقطعه بالسيف إرباً إرباً ولم يرجع عن دينه.

من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا

كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا

أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا

<<  <  ج:
ص:  >  >>