[ضياع الوقت]
وأعظم ما يمكن أن يحاسب عنه العبد يوم القيامة ضياع وقته عند الله عز وجل, وكثير من المسلمين لا يحسبون للوقت حساباً, يحسبون الدرهم والدينار, لكن تذهب الأيام والليالي فلا يتفكرون فيها أبداً, ولذلك يقول جل ذكره: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ * وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون:١١٥ - ١١٧].
فعلم أن المحاسبة تكون على الوقت يوم القيامة, ولذلك يقولون: أتعس من يقف يوم العرض الأكبر على الله رجلان: رجل منحه الله عز وجل وقتاً وأصح جسمه فلم يستخدمه في طاعة الله, ورجل طوله الله عز وجل وخوّله في الدنيا فأخذ فسعى في الأرض ليهلك الحرث والنسل, وفي صحيح مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: {لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسئل عن أربع وذكر منها: الوقت -العمر فيما أبلاه وفيما صرفه-} الحديث.
ولذلك يقول ابن عباس كما في الصحيح: يقول عليه الصلاة والسلام: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ} وأعظم ما يستغل الوقت فيه بعد أداء الفرائض ليس أداء الفرائض كما نؤديها ونشكو حالنا إلى الله ونستغفر الله من ذلك, لكن أداء الفرائض بمعنى أداء الفرائض, يقول ابن تيمية وقد سئل: ما هو الحل لمرض الشبهات والشهوات؟ قال: أعظم ما يمكن أن يداوى به هذا المرض: أن تصلح الفرائض ظاهراً وباطنا, فأما إصلاحها في الباطن فأن تخلص قصدك وعملك لوجه الله عز وجل, وإذا نصبت قدميك في الصلاة أن تتذكر وقوفك أمام الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, فهذا إخلاصها في الباطن, وأما إخلاصها في الظاهر فأن تكون على سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام, وأن تكون مؤداة كما صح بها الحديث, فهذا إصلاحها باطناً وظاهراً.
وبعد الفرائض التزود من النوافل, وما سجد عبد لله سجدة إلا رفعه بها درجة, يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: يا عجباً لمن عرف أنه سوف يموت كيف لا يجعل كل نفس من أنفاسه طاعة لله! ويقول: لقد صح في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم يقول: {من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة} وهذا في سنن الترمذي، فيقول: يا سبحان الله! كم يفوتنا من النخل لا نسبح الله, إذا علمت أن من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة, فأي وقت يذهب وأي ساعات تسير؟!
ولذلك استحضر كثير من أهل العلم منهم ابن رجب في جامع العلوم والحكم أهل الطاعة, وقال: إنما حملهم على الطاعة المخافة من الله, حتى ذكروا أن خالد بن معدان كان يسبح في اليوم مائة ألف تسبيحة, ذكره في قوله عليه الصلاة والسلام: {لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} قال: فلما أتوا به في المقبرة حملته الملائكة من أيدي الرجال, ذكره ابن رجب بسنده, وقال: ورؤي في المنام، فقالوا: ما فعل الله بك؟ قال: رفعني في عليين, قالوا: بماذا؟ قال: بكثرة ذكري له في الحياة الدنيا! فقل لي بالله: أي تعب يحدث على المسلم إذا حفظ وقته بالذكر؟
سئل ابن تيمية -في المجلد العاشرمن الفتاوى - سأله أبو القاسم المغربي: ما هو أعظم عمل تدلوني عليه بعد الفرائض؟
قال رحمه الله: لا أعلم بعد الفرائض أعظم ولا أحسن ولا أفيد ولا أنفع من ذكر الله عز وجل، وهو أسهل العبادات وهو شبه إجماع بين أهل العلم, ولذلك يقول جل ذكره: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨].
ويقول: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:١٥٢].
فإني أوصيكم ونفسي بحفظ الوقت بذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, فهذه عوامل المخافة إن كنا صادقين أن نخاف من الله عز وجل.