للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[دروس من حياة عثمان]

وسيرته طويلة رضي الله عنه لكن أخذت منها نقاطاً نتعلم منها الخشوع والبذل والحياء.

أما الحياء فكله خير كما قال عليه الصلاة والسلام، وتعريفه من سيرة عثمان: أنه ما صدك عن المحارم، فالحياء الذي يصدك عن المحارم هو الذي يحبه الله، أما الذي يمنعك عن طلب العلم، أو التفقه في الدين، أو سؤال العلماء، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فليس من الحياء في شيء بل هو الخجل المذموم.

وفي البخاري موقوفاً على مجاهد بن جبر المفسر قال: لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر، فلا ينبغي أن يكون بينك وبين العلماء حاجز؛ أن تقول: أستحي أن أسأله أو أن أناقشه في أمور منزلية، أو عائلية أو شخصية، لا.

بل اسأله {إنما شفاء العي السؤال} كما قال عليه الصلاة والسلام، وقالت عائشة: [[نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين]] وكان أكثر الناس حياء موسى عليه السلام وهو القوي الأمين، حيي لكن عن المحارم، بنت الرجل الصالح -قيل شعيب وقيل غيره- لما أتت تدله على منزل أبيها قال: تعالي ورائي، انظر إلى الأمين الذي يحفظ الله في الغيب، حتى لا ينظر إلى شيء منها، فكانت وراءه فكانت تقول: خذ يمينك، خذ يسارك، الطريق من هنا، الطريق من هناك حتى وصل إلى بيت أبيها، قالت: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:٢٦]

أما القوة فزحزح الصخرة ولا يستطيع لها عشرة، وأما الأمانة فرأته في الطريق، ولذلك رزقه الله عز وجل الرسالة الخالدة ورفع الله اسمه، وأنتم تسمعون في صلاة التراويح ما نقرأ صفحات إلا ويطالعنا حديث موسى، نعيش كما قال سيد قطب: معركة نسف وإبادة مع بني إسرائيل في هذه الليالي، يا بني إسرائيل، ولقد أرسلنا موسى، وإذ قال موسى، وواعدنا موسى، حتى قال بعض علماء الإسلام: كاد القرآن أن يكون لموسى، هذا هو الحياء المطلوب في الإسلام.

وأما البذل: فهو البذل في سبيل الله بلا رياء ولا سمعة، بعض الناس يبذل للرياء والسمعة ملايين مملينة أو ألوفاً مؤلفة، ولكنه في الخير من أبخل الناس، وهذه صفة اليهود: {يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [النساء:٣٧]

والبذل ليس فقط بالمال، بل قد يكون بالجاه؛ بأن تبذل جاهك عند المسئول شفاعة للناس، وقد يكون بالبسمة الحانية الرقيقة لإخوانك المسلمين، وقد يكون بأن تجود بوقتك لزوارك وضيوفك وللدعوة، يقول ابن القيم عن رجل: من كرمه أنه يسامر ضيفه ولا ينام حتى ينام الضيف.

متيم بالندى لو قال سائله هب لي فديت كرى عينيك لم ينم

أي: لو قال له الضيف أرجوك لا تنام لقال: لن أنام هذه الليلة، فهذا الكرم بالوقت، والكرم بالعلم، وهو أن يبذله لمستحقيه، وقد ذكر الله عز وجل ذلك في كتابه.

يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود

وأما الخشوع فهو سيرة عثمان الدائمة، فالقرآن والبكاء، والمناجاة في السحر حين ينزل الله في الثلث الأخير فيعطي من سأل، ويغفر لمن استغفر، ويتوب على من تاب هي ديدنه.

سلام على عثمان في الخالدين، وألحقنا الله به في الصالحين، وأجلسنا معه في مقعد صدق عند رب العالمين، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، يوم يتقبل الله عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.

<<  <  ج:
ص:  >  >>