لقد ذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ناراً تلظى، وتوعد القاتلين والمفسدين في الأرض والسارقين والزناة والخونة بوعيد شديد، لتعلم أن هناك ناراً، وأن هناك حساباً وعذاباً، يقول عمر:[[والذي نفسي بيده! لولا الآخرة لكان غير ما ترون]] لولا أن هناك حساباً من الله عز وجل لفتك القوي بالضعيف، ولاعتدى الظالم على المظلوم واجتاحه، لكن هناك يوم آخر، يوم يكون الناس كالفراش المبثوث.
وإحياء اليوم الآخر في أذهان الناس؛ لا يكون بالتضييع، وأن تحيا الأمة على الخواء العقدي، والتلوث الفكري، وإبطال الهوية، والتخلف الحضاري، فهذا كله مما أصيبت به الأمة يوم تركت لا إله إلا الله، فلا بد من إرساء العقيدة في النفوس، وذكر الجنة والنار، حتى تعيش الأمة حياة العبودية التي أرادها الله عز وجل لها.
وهنا يذكر الذهبي في المجلد الثامن من السير أن عبد الله بن وهب العالم المصري والمحدث الكبير الشهير، وهو علامة مصر في الحديث في عصره، يقول: ألف كتاب أهوال يوم القيامة، فطلب الناس منه أن يقرأ عليهم كتاب أهوال يوم القيامة، فاعتذر! فألحوا عليه، فقرأ الكتاب فأغمي عليه، وبقي مغمى عليه ثلاثة أيام ومات في اليوم الرابع، وذكر عنه أنه قبل هذه القصة أراد أن يصلي الجمعة فسمع طفلاً يقرأ في بيت وهو في طريقه إلى المسجد:{وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ}[غافر:٤٧] فأغمي في الشارع وحمل إلى بيته.
فهذه النفس التي أحياها علم الكتاب والسنة، وأحياها تذكر لقاء الله عز وجل كانت نفساً تعيش لله عز وجل، وترجو ثواب الله، وتتذكر الوعيد الأخروي.
ويذكر وكيع في كتاب الزهد أن ابن المبارك رضي الله عنه وعن أبيه قرأ:{وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}[الزمر:٤٧] فبكى حتى كادت أضلاعه تختلف، وقيل: قال: إني أخشى أن يبدو لي من الله ما لا أحتسب.