[الألفة والاجتماع من خصائص هذه الأمة]
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
أيها الإخوة الكرام: عنوان هذا الدرس: (من جوامع الكلم).
وصاحب الجوامع هو محمد عليه الصلاة والسلام، فقد آتاه الله جوامع الكلم، ولم يخلق الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أفصح منه، وما نطق بالضاد أروع من محمد عليه الصلاة والسلام.
وقبل أن أدخل في هذا الدرس ألفت أنظاركم إلى أمر معهود لديكم، وهو هذا السر الذي جعله الله عز وجل في هذه الأمة الخالدة، وهو أنه جمعهم على كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، لم يجمعهم سيف، ولا كيان، ولا دستور وضعي، وإنما حبٌ في الله تبارك وتعالى.
فقد فشلت المجالس الأممية، والجمعيات العمومية، والقوانين الوضعية أن تجمع الناس، وأخفقت أن تجمع قلوبهم؛ ولذلك عرضوا مرةً من المرات الماسونية بديلاً عن الإسلام، وهي هيئة تقوم على إلغاء الفروق بين بني الإنسان، الفروق التي بين الإنسانية في الظاهر وإلا فهي الباطن يهودية، وجعلوا من البدائل: العلمنة، وهو مذهب إلحادي أذاعه أتاتورك في الدنيا؛ ليلغي الفروق بين البشر، لكنها أخفقت جميعاً، وبقي دينه عليه الصلاة والسلام مستعداً ليجمع الناس على كلمة: لا إله إلا الله محمد رسول الله: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:٦٣].
والتأليف مظهره في هذا الشهر، فنحن نستقبل فيه هذا البيت، الذي صدحت منه لا إله إلا الله، والذي انبعثت منه الرسالة الخالدة، وصلينا صلاة واحدة، وصمنا جميعاً المسلمين من جميع أنحاء العالم، فيجلس بعضنا إلى بعض في إخاء عجيب من الذي جمع مسلم اليابان مع مسلم الجزيرة، مع مسلم السودان والعراق والمغرب وتونس والجزائر والإمارات واليمن وكل بلاد الأرض؟ لقد جمعتهم لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وهذا السر يذكره أهل العلم في كتبهم، وهو لا يوجد في أي دين آخر إلا في هذا الدين، وهو الولاء والبراء، والحب والبغض، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام في سنن أبي داود أنه قال: {من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان} وفي الصحيحين: {وأن تحب المرء لا تحبه إلا لله} وفي الصحيحين: {ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه}.
يقول محمد إقبال، وهو هندي:
إن كان لي نغم الهنود ودنهم لكن هذا الصوت من عدنان
يقول: إن كنت هندياً، وجسمي ولحمي وشحمي هندياً، فأنا أحمل إيماناً أتى به محمد عليه الصلاة والسلام.
والجباه والقلوب كلها متجهة إلى الله، فله الحمد على هذه المظلة التي جمعتنا جميعاً وآخت بين قلوبنا.
أما الدرس فهو كما قلت لكم: من جوامع الكلم.
وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {أوتيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام اختصاراً}.
وعند الدارقطني: {وفواتح الكلم، وخواتمه، واختصر لي الكلام اختصاراً} فهو معجز في كلامه، تأتي بكلمة له عليه الصلاة والسلام؛ فتعرف أنه هو الذي قال الكلمة، ولا يستطيع أحد أن يقول غير هذه الكلمة، وكلامه دون إعجاز القرآن؛ لأن للقرآن منزلة في الإعجاز لا يضاهيها كلام آخر من كلام البشر.
ويقول هتلر في مذكراته لما أراد جيشه أن يدخل موسكو قبل الثلج والهزيمة، وقد وقف خطيباً فيهم، وقد رأى الهول والدمار في العالم، وظن أنه سوف يحتل العالم يقول: اقتربت الساعة وانشق القمر.
ولا أعلم هل قالها بلغته أم بالعربية، فهو لم يجد كلمة يعبر بها أعظم من هذه الكلمة، ولكن تعالوا إلى كلامه عليه الصلاة والسلام -لا أتحدث عن معجزة القرآن- من يستطيع من الناس أن يقول: {إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى}؟ هل يستطيع شاعر، أو أديب، أو فصيح، أو زعيم، أو قائد أن يقولها؟ أو يقول: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة}؟