للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أحوالنا مع حقوق الجار]

مَن الذي صرف الناس عن المسجد؟ من الذي جعل قضايا الناس دنيا؟ اهتمامات جانبية، وجدال يصل إلى السماء، والجار لا يسلم على جاره، حتى أهل قرى، الجار لا يعرف ما يقع لجيرانه ولا يسأل عنهم، بل لا يسلم على جاره ولا يسلم على أخيه من أجل قطعة أرض {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:٢٢] هناك من لا يعرفون المواعظ، وخطبة الجمعة تمر عليه مر الرياح، ولا يستفيد منها، لأنه قطع رحمه، فأصم الله سمعه، وأعمى بصره، وأصبح قلبه مغلفاً، قطيعة الرحم هذه كادت السماء أن تتشقق منها، قطيعة الرحم ذنب من أكبر الذنوب وهو أكبر ما ابتليت به القرى والقبائل، بل يوجد في بعض القبائل أن من دساتيرهم الأرضية الطاغوتية حرمان المرأة من ميراثها، ويعدون المرأة إذا طلبت الميراث أنها تعدت على سلوم القبائل فيلومونها، وبعضهم حلف على ميراث قريبته وأخته يميناً فاجراً وسلبه.

بل قد تجد البعض يسبحون ويصلون ويعتمرون، لكن الواحد منهم يبغض جاره أكثر من بغضه لليهود والنصارى، ويتمنى موتهم صباح مساء، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم} ما معنى أفشوا السلام بينكم؟ هل يعني سلام والقلب يغلي، ونحن نتقلب على فرشنا ونتمنى الموت لجيراننا وقبائلنا؟! أين الإيمان؟! أين أثر لا إله إلا الله؟! أين أثر رسالة محمد عليه الصلاة والسلام؟! يقول الله لرسوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] ويقول له سُبحَانَهُ وَتَعَالى يمدحه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩] ويقول: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:١٣٤]

يدخل عليه الصلاة والسلام يوم الفتح، ومع أن كفار مكة أخرجوه من داره، وضربوا بناته، وقاتلوه في أكثر من عشرين معركة، وسلبوا عقاره حتى بقية الدور باعوها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل ترك لنا عقيل من دار، فيدخل صلى الله عليه وسلم، ويأخذ بحلق باب الكعبة منتصراً.

وعنده جيش جرار قوامه عشرة آلاف مقاتل مدرعين بالسيوف، ويقف أعداؤه أمامه، فيقول: {ما ترون أني فاعل بكم، يقولون: أخٌ كريم وابنُ أخٍ كريم - الآن أصبح أخاً كريماً، أنسيتم الصحائف السوداء، الذبح والسفك والهجاء - فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم، وقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء} عفا الله عنكم، اسمع يا تاريخ!

اسمع يا دهر! فكان جزاؤه أن قام أبو سفيان يبكي ويقول: لا إله إلا الله ما أرحمك! ولا إله إلا الله ما أحلمك! ولا إله إلا الله ما أبرك! فقال الله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤].

ويُروَى عنه صلى الله عليه وسلم في أثر أنه قال: {إن الله أمرني أن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أعطي من حرمني} هذا محمد عليه الصلاة والسلام، الرجل الذي عرف معنى الحياة فعاشها، أما هذه البغضاء التي طغت على قلوبنا، وأفسدت علينا الطاعات والنوافل، فنشكو حالنا إلى الله، ولن تنفع القربات حتى نزيل الضغينة والحقد والبغضاء من قلوبنا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>