عبادة بن الصامت أحد الأصحاب الأخيار الأحباب؛ الذين رباهم صلى الله عليه وسلم على عينٍ وبصرٍ وسمع، كان من العلماء بالله، وليس من علماء الدنيا الذين يحفظون المتون، ثم يبطلون مفعولها في الأرض، كان يعلم علماً للآخرة، ولذلك عده عمر رضي الله عنه من الحفاظ، فأرسله إلى الشام معلماً ومربياً هناك، ورسولاً من رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأقاليم، فكان يجلس من بعد صلاة الفجر حتى الضحى يعلمهم القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كان يتعرض للأمراء ويمقتهم في مجلسه، وأمير الشام آنذاك معاوية بن أبي سفيان، فاشتكاه معاوية إلى عمر فاستدعاه عمر وقال:[[ما لك تنقم على معاوية؟ قال: إنه يأخذ المال وينفقه كيف يشاء، ويفعل ويفعل، قال: عد إلى الشام فقبح الله أرضاً لست فيها وأمثالك]].
ذلك لأن الأرض التي لا تطلع عليها شمس الرسالة هي أرضٌ ملعونة، فقال عمر [[قبح الله أرضاً لست فيها أنت وأمثالك، فعد إلى الشام]].
وكتب إلى معاوية:[[لك إمرة على أهل الشام جميعاً إلا على عبادة، فليس لك إمرة عليه فهو أمير عليك وأنت لست بأمير عليه]].
فلما ذهب عبادة إلى هناك كان يقول ويفعل على نور من الله سبحانه وتعالى، يتكلم معاوية وهو مسدد خال المؤمنين رضي الله عنه، ولكن الأنصار ربما لا تعجبهم بعض الكلمات التي تصدر فيتأولون، فيقوم عبادة ويقاطع كلام معاوية ويقول: لا سمع ولا طاعة، فيقول معاوية: ما لك يا عبادة؟ قال:[[إنك ما كنت معنا يوم بايعنا رسول صلى الله عليه وسلم على أن نقول الحق لا نخشى لومة لائم]] فهو من أهل العقبة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي كانت يد الله فوق أيديهم، فصدقوا ما عاهدوا عليه الله عز وجل.
ولذلك يقول عبد الله بن رواحة:{لما بايعنا رسول صلى الله عليه وسلم قمت من وسط القوم وكنت شاباً، فقلت: يا رسول الله ما لنا إذا بايعناك؟ وما علينا إذا بايعتنا؟ قال: فحصبني الأنصار -يعني: رجموه بالحجارة حياءً من الرسول صلى الله عليه وسلم- فقال لهم صلى الله عليه وسلم: لي عليكم أن تمنعوني مما تمنعوا منه نسائكم وأولادكم وأموالكم؛ فإذا فعلتم ذلك فلكم الجنة، فقام ابن رواحة فقال: ربح البيع؛ لا نقيل ولا نستقيل}.