[قصيدة: أبو ذر في القرن الخامس عشر]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فهذه قصائد من (ديوان لحن الخلود) الذي سوف يصدر قريباً بإذن الله.
القصيدة الأولى: (القصيدة الذرية) أو (أبو ذر في القرن الخامس عشر) رضي الله عنه وأرضاه، وسببها: غربة المسلم في هذا العصر التي تشابه غربة أبي ذر رضي الله عنه حينما خُلِّف بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين، رآه صلى الله عليه وسلم في تبوك وهو مقبلٌ وحده فقال: {رحمك الله يا أبا ذر، تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك}.
دمعة الزهد فوق خدك خرسا ووجيب الفؤاد يحدث جرسا
أنت من أنت يا محب وماذا في حناياك هل تحملت مسا!
ما لهذي الدموع مالك صبٌ حالكم مأتمٌ وقد كان عرسا
شامة الزهد في مُحيَّاك صارت قصةً تطمس الحكايات طمسا
قال أزمعت هجرة بيقيني قد مللت المقام وازددت بؤسا
وأتيت الصحراء تروي حديثاً يتوالى يفيظ روحاً وأسا
تشتكي بعده وتهدي إليه زفرات الحنين جناً وإنسا
هجرت نومها وأسهرها الحب فيا جندب ترى أين أمسى
جاءها يقطع الرمال وحيداً يركب الليل يصحب الذئب خمسا
كلما حل قفرة سار منها يتوارى يجس ممشاه جسا
قال: يا أرض يا رمال خذيني كفنيني إني عشقتك رمسا
أنا يا بيد ضقت ذرعاً بجسمي فاحضنيني يا بيد فالأرض تعسى
دولتي جعبتي وكنزي يقيني فإذا ما وصلت فالكل ينسى
خوفتني القصور لما اشرأبت ماثلاتٍ تَزْوَرُّ عنفاً ونحسا
طاردتني الدنا فطرت برجلي واتخذت البلاد رحلاً وحلسا
عشت فرداً والناس مليون حولي وأراها الذئاب غبسا وطلسا
خولوني مالاً فقلت دعوني أنا مالي ألا أرى المال نحسا
لاطفوني هددتهم هددوني بالمنايا لا طفت حتى أُحَسَّا
أركبوني نزلت أركب عزمي أنزلوني ركبت في الحق نفسا
أطرد الموت مقدماً فيولي والمنايا أجتاحها وهي نعسى
قد بكت غربتي الرمال وقالت يا أبا ذر لا تخف وتأسا
قلت لا خوف لم أزل في شباب من يقيني ما مت حتى أُدَسا
أنا عاهدت صاحبي وخليلي وتلقَّنت من أماليه درسا
لوحوا بالكنوز راموا محالاً وأروني تلك الدنانير مُلْسا
كلها لا أريد فكوا عناني أطلقوني أسير في الأرض شمسا
اتركوني أذوب في كل قلب أغرس الحب في حناياه غرسا
أجتلي كل روضة بدموعي وأبث الأزهار في الروض همسا
خفت الصوت في التراب وماتت عزمات كالفجر تنبس نبسا
واختفت سيرة طوتها الليالي وتوارت ذؤابة الزهد حبسا
استرح يا فؤادُ يا نفس قري واكتبي قصتي بسبعين طرسا
أين ميراثه لينعم فيه عاشقو المال أين مالك أرسى
بردة أبلت الليالي سداها وتركت العصا وخلفت ترسا