هناك شيخ إذا مر له موقف من مواقف بدأ يتذكر فعل المعاصي التي فعلها، ويتألم ويتحسر ويلوم نفسه حتى إنه لا ينام أحياناً بسبب هذا التفكير وهذا القلق، وكل هذا بعد أن هداه الله وتاب، فماذا يفعل؟ وبماذا تفسر هذا حفظك الله؟
الجواب
أما فعله وماذا يفعل وماذا أوصيه به؛ فأوصيه بالتوبة والاستغفار وأن يندم على ما فات، لكن لا يوصله هذا الندم إلى أن يحرم على نفسه الطعام أو الشراب أو المنام، أو يتلف روحه، فإن الله يغفر الذنب:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}[آل عمران:١٣٥ - ١٣٦] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر:٥٣].
فأوصيك أن تتوب وأن تستغفر، وأن تؤمل في الله الأمل الذي يسرك، فإن الله أفرح بتوبتك من الرجل الذي ظلت راحلته، فوجدها في الصحراء بعد أن كان عليها طعامه وشرابه، واعلم أن الله عز وجل يقبل توبة التائبين، وأن التائب أحب إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من هذا الرجل الذي ظلت منه ناقته بعد أن وجدها، ثم واجبك أن تندم على ما فات، لكن لا يوصلك الندم إلى هذه الدرجة التي تشكو منها، فاعلم أن الله غفور رحيم، وأن رحمته واسعة، وأنه يقبل التوبة ويعفو عن عباده ويعلم ما تفعلون.
ثم اعلم أمراً ثانياً: أن الحسنات يذهبن السيئات، فكل سيئة عملتها حاول أن تفعل مكانها حسنة:{وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ}[الرعد:٢٢]{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[هود:١١٤] عسى الله أن يتوب علينا وعليك، وأن يتقبل منا ومنك أحسن ما عملنا، وأن يتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.
وعند مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها}.
وعند مسلم عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: {يا أيها الناس! توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله في اليوم أكثر من سبعين مرة} وفي رواية:: {مائة مرة} فإذا كان هذا رسول البشر صلى الله عليه وسلم، فنحن أهل الذنوب والخطايا، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم:{والله، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم آخرين يذنبون فيستغفرون الله، فيغفر لهم} وعند الترمذي: {كلكم خطاء وخير الخطائين التوابون} تاب الله علينا وعليك وعلى كل مسلم، وتقبلنا فيمن تقبل.