وعلى الداعية أن لا يزكي نفسه عند الناس، بل يعرف أنه مقصر مهما فعل، ويحمد ربه سبحانه أن جعله متحدثاً إلى الناس، ومبلغاً عن رسوله صلى الله عليه وسلم، فيشكر الله على هذه النعمة، فإن الله قال لرسوله صلى الله عليه وسلم:{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً}[النور:٢١] وقال له في آخر المطاف وهو يؤدي الرسالة كاملة: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً}[النصر:١ - ٣].
قال أهل العلم: أمره أن يستغفر، والمعنى قد تكون مقصراً فيما فعلت فاستغفر ربك، وما تدري فإن المنة لله الواحد الأحد، وهو المعطي سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
فلا يأتي الداعية فيزكي نفسه ويقول: أنا آمركم دائماً وتعصونني، وأنهاكم ولا تمتثلون نهيي، وأنا دائماً ألاحظ عليكم، وأنا دائماً أرى، وأنا دائماً أقول في نفسي، وأنا دائماً أحدث نفسي إلى متى تعصي هذه الأمة ربها، فيخرج نفسه من اللوم والعتاب وكأنه بريء، وهذا خطأ، بل يجعل الذنب واحداً، والتقصير واحداً، ويقول لهم: وقعنا كلنا في هذه المسألة، وأخطأنا كلنا، والواجب علينا حتى لا يخرج نفسه من اللوم والعتاب، فما نحن إلا أسرة واحدة، وربما يكون -بل هذا حاصل- في المجموع الجالس من هو أزكى عند الله من الداعية، ومن هو أحق وأقرب إليه، وعلم الله عز وجل أنني لا ألتمس بعد التوحيد الذي أدين الله عز وجل به، مثل حب الصالحين ودعائهم فإنه من أعظم ما يقربنا إلى الله.