فأما هجرة الكفر: فهي إذا ضيق عليك في مكان لا تستطيع ممارسة إسلامك فيه فاخرج من هذا البلد، وهذه واجبه.
وأما هجرة المعاصي: فهي هجرة واجبة على كل مخلوق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ومن لم يهاجر بهذه الهجرة، فسوف يبقى في الخطايا والذنوب من أخمص قدميه إلى مشاش رأسه، وهذه الذي نحن بحاجة إليها، ونشكو حالنا إلى الله فيها.
وأما هجرة الواردات والشواغل والقواطع: فهذه للأولياء الصديقين السابقين بالخيرات، وهم الذين يقطعون كل قاطع يقطعهم عن الله عز وجل، وهؤلاء قاربوا درجة أبي بكر الصديق، وما بلغوا درجة أبي بكر؛ لكن أصبحوا من الولاية بمنزلة عظيمة.
والواردات والشواغل هي كل ما يشغلك عن الله عز وجل، فهم تركوها لوجه الله، وهؤلاء من مثل حنظلة الغسيل، سمع داعي الله عز وجل والهجرة إلى الله من الواردات والشواغل إلى جنة عرضها السموات والأرض وهو في ليلة عرسه، مع زوجته في اليوم الأول، فثار من على فراشه، واخترط سيفه وعليه الجنابة، وهب ليلقى الله عز وجل وقاتل حتى قتل، فأتى صلى الله عليه وسلم بعد قتله بلحظات، يشيح بوجهه صلى الله عليه وسلم، قالوا: مالك يا رسول الله؟ قال: والذي نفسي بيده! لقد رأيت الملائكة تغسل حنظلة بين السماء والأرض بصحاف من ذهب بماء المزن.
فهل أرفع من هذه هجرة يوم ترك الدواعي والشواغل؟!
إن بعض الناس باستطاعته أن يضحي بصلاة العشاء والفجر أو أي فريضة من فرائض الله، ليدهده ابنته الصغيرة لئلا تبكي على أمها، لأن القلب إذا مات حبسه كل شيء حتى خيط العنكبوت يربطه بسارية من السواري في البيت، أما أولئك فكان لا يحبسهم شيء؛ حتى الحديد يكسرونه، وينفذون إلى جنة عرضها السموات والأرض.