للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شأن الإمامة في الدين]

أيها الإخوة! إن القرب من الصالحين كله خير وبركة، فعند ذكرهم يرجى نزول الرحمات، ويكون ذكرهم داعياً إلى الاقتداء بمآثرهم والسير على منوالهم والنسج على طريقتهم، وإن هذه الأمة تُعدُّ اليوم بما يزيد على مئات الملايين، بل تاريخ هذه الأمة لم يبدأ منذ ستين سنة أو سبعين سنة، تاريخ هذه الأمة مضى عليه ما يزيد على ألف وأربعمائة سنة؛ فكم تظن من الناس مشوا على ظهر هذه الأرض ووطئوها من أهل الإيمان ومن أهل التوحيد، بل ومن أهل العلم أيضاً، ولكن كم أولئك الذين بقيت مآثرهم وخلد ذكرهم؛ فأصبح الناس يذكرونهم بالخير؛ فيترحمون عليهم، ويدعون لهم، ويقبسون من علمهم، على رغم أن بينهم وبينهم مفاوز من السنين وأحقاباً متطاولة، وعلى رغم أنهم قد يكونون في مناطق بعيدة نائية، إن الناس اليوم يستفيدون من علم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أكثر مما يستفيدون من علم معظم المعاصرين؛ وكأن هذا الإمام حيٌ بيننا، وإن كان موسداً في قبره إلا أنه حيٌ بيننا بعلمه وبتراثه وبكتبه وبمواقفه وكما قيل:

يا رُبَّ حيٍ رغام القبر مسكنه ورب ميت على أقدامه انتصبا

هذه الأمة التي يقولون: عددها ألف بليون إنسان ومائتا مليون إنسان، هذا الرقم من حيث العدد، كم تأثير هذه الأمة؟ وكم إنتاجية هذا العدد الكبير؟

إن فئةً قليلة من أعداء الإسلام قد بلغوا بهذه الأمة مبلغاً عظيماً؛ لأنهم جدوا واجتهدوا وحاولوا وبذلوا، أما هذه الأمة فهي أرقام وأعداد، لكن لو أتيت إلى الذين يقومون بما أوجب الله عليهم من العبادة، والعلم، والدعوة، والجهاد، والصبر لوجدتهم قليلاً، وكما قيل:

وقد كانوا إذا عدوا قليلاً فقد صاروا أقل من القليل

ويا سبحان الله! كأن الدعاة إلى الله وكأن العلماء رفاق سفر طويل طويل، فهم يبدءون كثيراً ولكن يتساقطون واحداً بعد الآخر، كلما بعدت المفازة واشتد الأمر وعظم الخطب، ولا يبقى إلا من حكم الله تعالى لهم بأنهم أئمة، قال الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:٢٤] فنسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء.

قال سفيان: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين؛ أن يكون عند الإنسان يقين بالحق الذي يحمله ويدعو إليه، يقين من الله تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} [الأنعام:٥٧] فهذا اليقين ما أخذه تقليداً ولا أخذه تأثراً بالأتباع والدهماء ومن حوله من الناس، وإنما أخذه بالدليل من القرآن ومن السنة الصحيحة، فاستقر في قلبه وآمن به، وجرى منه مجرى الدم في العروق، فلم يعد يرتاب فيه على رغم قلة النصير والمعين، وكثرة المعارض، فأصبح عنده يقين بدينه، ثم أصبح عنده صبر على ذلك، صبر جميل ليس فيه جزع ولا تشكٍ، ولا تسخط ولا تردد، بل فيه ثبات على هذا الدين، وإصرار عليه، ودعاء أن يثبت الله تعالى قلبه فلا يزلَّ ولا يزيغ.

<<  <  ج:
ص:  >  >>