وقبل المعركة بساعات قال رستم: انتظر يا سعد قليلاً.
قال: ماذا تريد؟
قال: أرسل إلي جندياً من جنودك أتكلم معه.
لينظر ما لهذه الأمة أمة الصحراء أمة الضب تخرج من الجزيرة العربية تريد أن تأخذ أعظم دولتين في الدنيا وتبتلعها، ماذا طرأ عليهم؟ أتغيرت مستوياتهم؟ لا.
لكن سكب في قلوبهم الإيمان، أي قوة وأي جيش وأي كتيبة وأي بحرية بلا إيمان لا يفرح بها أبداً، إذا بقينا بلا إيمان فسوف نتساوى مع الناس في الروح المعنوية، ثم يتغلبون علينا بقوتهم ومادتهم.
قال سعد لـ ربعي بن عامر وكان عمره ثلاثين سنة: اذهب إلى رستم وقابله، فلما أتى إلى رستم أراد أن يرهبه حتى يتلعثم ولا يستطيع أن يتكلم، فجلس رستم مع أعضاء القيادة، مع الوزراء، والبطارقة، وصف الذهب والفضة ليرهب هذا العدو.
نحن لسنا أمة ذهب ولا فضة، نحن أمة معنويات صارخة تتحدى الباطل، فوقف ربعي أمامه، فقال رستم: ما الذي جاء بكم؟
قال: جئنا لنفتح الدنيا!
ما أحسن الكلمة! كأنها قذيفة، جئنا لنفتح الدنيا.
فضحك رستم وضحك من حوله وقال: تفتحون الدنيا بهذا الفرس الهزيل وبهذا الرمح المثلم وبهذه الثياب الممزقة؟
قال ربعي وكان كالأسد في وسط البلاط: نعم.
إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
فلما سمع هذه الكلمات غضب وحلف بآلهته ألا يخرج حتى يحمل تراباً، فحمل على رأسه التراب ودخل به على القائد الأعلى سعد بن أبي وقاص، فتبسم سعد وفرح لما رأى التراب وهي بشائر النصر، وقال وعيناه تدمع:{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ}[الدخان:٢٥ - ٢٧] وبعد ثلاثة أيام اجتاح الحق الباطل ودمر جيش الكفر جميعاً، ودخل المسلمون المدائن وأتى سعد إلى قصر العمالة والضلالة، إيوان كسرى وقال وهو يكبر: الله أكبر.
فانصدع الإيوان، ثم قال سعد مرة ثانية:{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ}[الدخان:٢٥ - ٢٧].