[قول: (انتقل إلى مثواه الأخير)]
ومن المسائل -وأنا أذكرها باختصار- قولهم: (انتقل إلى مثواه الأخير) فإذا مات شخص قالوا: اليوم انتقل إلى مثواه الأخير، وهذه الكلمة عُرف أنها لبعض الزنادقة، من زنادقة المتصوفة بل زنادقة الفلاسفة، فكانوا يقولون: إن القبر هو آخر مثوى بل هي من الأقوال التي نشرت لـ ابن سينا.
وابن سينا هذا ضال، وقد تعرض له بعض العلماء، وتعرض له ابن تيمية فقصم ظهره في أكثر من موطن من كتابه " درء تعارض العقل والنقل "، بل قال مسائل كفَّره بها الغزالي في " تهافت الفلاسفة "، وقال عنه ابن تيمية في بعض المسائل: إن صح عنه ما يقال؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وهذا من أمثال من قال: (انتقل إلى مثواه الأخير) فأخذها بعض الصحفيين، فقالوا: فلان انتقل إلى مثواه الأخير، والقبر ليس مثوىً أخيراً؛ بل المثوى الأخير الجنة أو النار كما بين سبحانه: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:٧] ومقصود الزنادقة أن يقولوا: إن القبر هو المستقر، ولا حياة بعد القبر، كما قال عمر الخيام:
فما أطال النوم عمراً وما قصر في الأعمار طول السهر
ثم يواصل فيقول:
لبست ثوب العمر لم أستشر وتهت فيه بين شتى الفكر
ثم يذكر في القصيدة أن القبر آخر مستقر وكذب عدو الله! فليس القبر آخر مستقر؛ بل بعد القبر حياة طويلة إما في الجنة وإما في النار، وبعد القبر حساب وصراط وميزان وتطاير صحف، وأنبياء وشفاعة وملائكة؛ وبعد القبر يوم يشيب من هوله الولدان فمن يعلم أن هذه الكلمة خاطئة؛ فليس مثواه الأخير القبر؛ فليعلم ذلك!
يقول إيليا أبو ماضي:
جئت لا أعلم من أين! ولكني أتيت!!
ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!!
وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت!!
كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري!!
ولماذا لست أدري؟!! لست أدري!!
فنقول له: والله لتدرينَّ إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور، وكيف لا تدري!
قال الله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:١ - ٢] {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ} [البلد:٨ - ٩].
إذاً: كلمة (مثواه الأخير) ليست صحيحة، وأعلم أن بعض الإخوة يقول: إن بعض الناس يستخدمها ليس لهذا المقصد؛ لكن إذا اشترك مسلم في كلمة ومقصده صحيح مع مجرم مقصده سيء؛ ولم يقرنا من الكتاب والسنة على هذه الكلمة؛ تحاشيناها.
قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:١٠٤] فكان الصحابة يقولون: (أَرعنا سمعك) وهذه كلمة فصيحة، واليهود يقولون: (راعناً) وهي الرعونة من السذاجة والخبل والبلادة؛ فنهى الله عنها لاشتراك الكلمتين في بعض الشبه.