[تربية عمر للرعية على إنكار المنكر]
أيها الأفاضل والأكارم من قصة الأعرابي ننطلق!
وقف عمر ليتحدث للناس، وأراد أن يختبر مقدار قوة الناس في إنكار المنكر، ومقدار إيمانهم وعدم تملقهم ونفاقهم, لأن الناس إذا كانوا منافقين، فلن يقولوا كلمة الحق، ولن يصدقوا مع الله، والأمة المنافقة لا تستحق أن تنشر لا إله إلا الله في الأرض، وقف على المنبر يخطب ثم قطع الخطبة في وسطها وقال: [[يا أيها الناس! لو رأيتموني اعوججت عن الطريق فماذا أنتم فاعلون؟]] فسكت كبار الصحابة، ومعنى الكلام ببساطة: ما رأيكم لو خنت رسالة الخلافة؟
ما رأيكم لو جُرت؟
ما رأيكم لو عدلت عن الطريق؟
فقام أعرابي بدوي في آخر المسجد وسل سيفه أمام الناس وقال: [[والله يا أمير المؤمنين! لو رأيناك اعوججت عن الطريق هكذا لقلنا بالسيوف هكذا]] فماذا قال عمر؟
أتظن أن عمر سوف يقول: خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه، ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه، إنه حيا بطولته ولموعه وكلمته وإيمانه، قال: [[الحمد لله الذي جعل في رعيتي من لو اعوججت عن الطريق هكذا, لقالوا بالسيوف هكذا]].
قارن هذا الموقف بموقف شاه إيران!! الذي كان الكرسي الذي يقضي عليه حاجته في دورة المياه من ذهبٍ خالص، وكانت طائراته تخرج على الجماهير في طهران وتقصفهم بالرشاش, فيموتون كما تموت الذباب من المبيدات، هذه نماذج يخجل التاريخ أن يرويها للناس، وأصبح أهل إيران يسترون وجوههم من هذا النموذج الفاشل الذي يعيرهم به التاريخ، أما الإسلام فلا نحاور مع شاه في هذا فهو بعيدٌ كل البعد، فهو شاة وليس بأسد.
عمر يؤسس الكلمة الحية، ويشجع على الصدق مع الله؛ لكن تتردى الأمة في عصر الفاطميين، فيأتي الحاكم بأمر الله الخبيث الملحد المنتن, الذي يدوس القرآن, وإذا خرج إلى الناس في الشارع سجدوا له، ومن أراد أن يتزود فليراجع كتب التاريخ.
أتى النابلسي المحدث الشهير العالم, يقول الحق، فسأله تلميذ، قال: ما رأيك هل أقاتل الفاطميين حكام القاهرة أو الصليبيين من النصارى؟
قال: من كان عنده عشرة أسهم, فليرم الفاطميين بتسعة, وليرم النصارى بسهمٍ واحد.
وتنقل الاستخبارات هذه الكلمة إلى الحاكم بأمر الله فيستدعي النابلسي ويقول له: هل صحيح أنك تقول: من كان عنده عشرة أسهم فليرم النصارى بتسعة ويرمينا بسهمٍ واحد؟
قال: لا، أنتم حرفتم الفتيا، قال: وما هي الفتيا الصحيحة؟
قال: يرميكم بتسعة ويرمي النصارى بسهمٍ واحد.
فقتله قتلة ما قتل أحدٌ في التاريخ مثلها فيما أعلم, وهو يسمى شهيد العلماء، فقد سلط عليه يهودياً فنكسه وربطه بأرجله في السقف ودلاه، فأخذ اليهودي يسلخ جلده عن لحمه, وكان يقول: الله أكبر، الله أكبر! فلما وصل إلى قلبه, رحمه اليهودي -وما بالك بمصيبة يكون راحمها اليهودي- فطعنه بالسكين فمات في سبيل الله.
فهذه نماذج قدمها التاريخ، لكن ما روت سيرة عمر ولا مرت على طريقه.
قد كنت نجماً في ذرى العلياء يا منصف الموتى من الأحياء
وبنيت صرح العدل يا علم الهدى ورفعت رأس الدين للجوزاء
عمر فخرٌ لنا.
عمر تاريخٌ لنا.
عمر منارةٌ لكل شاب من شباب الصحوة.
وعمر تاجٌ على رءوسنا، نفاخر به أهل الشرق والغرب.
عمر كان يشجع القائل أن يقول كلمته.
ذكر ابن الجوزي في المناقب أن عمر قال للصحابة: [[من ترون أن أولي على العراق؟ فقام منافق -والمنافقون قديمون- قال: أرى أن تولي الرجل الأريب الأديب الداهية المنصف عبد الله بن عمر -ابن عمر بن الخطاب - وما أراد إلا المداهنة، وإلا ففي المسلمين من هو أكفأ وأقدر وأعلم وأفضل- قال عمر: كذبت يا عدو الله، والله ما أردت الله بذلك]].
لماذا التدليس على الناس؟
لماذا الكذب على مناهج الله؟
ألأنه ابني؟
وهو عبد الله بن عمر الذي لا نصل إلى غبار قدميه، لكن في المسلمين أكفاء، أين ابن عوف؟
أين ابن عفان؟
أين أبو الحسن علي بن أبي طالب؟
أين فلان وفلان؟ لكنه ما أنصف.
وتستمر القافلة, وجسد عمر دائماً يعلن الإيمان والقوة والشجاعة على المنبر.
جسدٌ لفف في أكفانه رحمة الله على ذاك الجسد
من لجسم شفّه طول النوى ولعينٍ شفها طول السهر
أبو مسلم الخراساني قتل ألفي ألف -أي: مليونين- فهو أكبر قاتل في التاريخ، وقف في مسجد خراسان، وكان يلبس السواد، وهو شعار الدولة العباسية، لأنه هو الذي نقل دولة بني أمية إلى بني العباس، ثم مات ولم يحظ بشيء، فقام أحد الناس من وسط المسجد يريد أن يرد عليه، وقال: لا تلبس السواد، فلبس السواد ليس من السنة، وقد أخطأ هذا القائل، قال أبو مسلم: حدثنا فلان عن أبي الزبير عن جابر {أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعليه عمامة سوداء} قال: يا غلام! اضرب رأسه بجانبك، فضرب رأسه، فإذا جثته في وادٍ ورأسه في وادٍ آخر, والحديث الذي ذكره في صحيح مسلم ولا أدري كيف حفظه!!
فهذه نماذج الخيانة والخيبة، وقد سود هذا وجه التاريخ.
لماذا قتلته؟
اقنعه، حاوره، أو أدبه، لكن تذبحه؟! هذا حرامٌ عقلاً ونقلاً، ولكن من يسمع هذا أبو مسلم أم الحجاج؟!