للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المؤمن شجاع والكافر جبان]

قال عمر بن الخطاب: [[اللهم إني أعوذ بك من عجز الثقة وجلد المنافق]] فكون الفاجر شجاعاً والمؤمن جباناً؛ هذه مصيبة وداهية لا تتصور، ولذلك انظر إلى أبناء البعث الآن الذين رباهم الخونة والعملاء مثل: ميشيل عفلق وأحمد حسن البكر وصدام حسين " تجد الواحد ينطلق ويتفجر تحت الدبابة، ويقف أمام المدفع، ويطلق العيارات النارية وكأنه يزغرد في أبهة العيد، وتجد الماركسيين يدخلون أفغانستان وتنفجر بهم الدبابات وتشدخ رءوسهم على الجبال، وكأنهم يغنون ويطبلون ويرقصون، وتجد بعض الناس من المؤمنين ممن يصلي الصلوات الخمس إذا هبت الريح من الباب أغمي عليه ورش بالماء، فيقول عمر: [[اللهم إني أعوذ بك من عجز الثقة، وجلد المنافق]] وسوف تأتي أخبار لهؤلاء.

قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران:١٤٥] فهل سمعتم أن أحداً مات بغير إذن الله؟ لا.

لأن الله غالب على أمره، ولأن الأوامر من عنده؛ ولا يسبق أحد أجله، فإذا أذن الله فالموت، وإذا لم يأذن فلو اجتمع أهل الأرض على أن تموت فلن تموت أبداً.

وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [آل عمران:١٥٧] يقول: اتقوا الله واعملوا صالحاً، وقولوا الحق، وقدموا الرأي الصائب، فإن قتلتم فإلى جنة عرضها السماوات والأرض، وإن عشتم فإلى خير، أما الجبان فإنه يموت حقيراً ويعيش حقيراً.

وقال تعالى عن أوليائه: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب:٣٩] فهم يبلغون الرسالة ويظهرون مبدأهم ويقولون رأيهم، ويقولون لصاحب المنكر: خف الله واتق الله، ويمنعون المنكر في الأرض، ومع ذلك لا يخافون إلا من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ثم مدح الله أوليائه فقال: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:٢٣].

دخل طلحة وعليه ثياب خضر، وقد رد بيده عن المصطفى في أحد كل سيف ورمح وسهم، فدخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:٢٣] ونظر إلى طلحة فقال: {هذا ممن قضى نحبه} هذا من الجيل الصادق الذين قدموا رءوسهم في المعركة.

ومنهم عمير بن الحمام يأكل التمر يوم بدر، قال عليه الصلاة والسلام: {يا أهل بدر إن الله اطلع عليكم فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، يا أهل بدر، والله ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء فتدخلون الجنة، فألقى عمير التمرات من يده وقال: بخ بخ، إذا بقيت إلى أن آكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة} ثم أخذ غمد السيف وكسره على ركبتيه -وهذه ساعة الصفر عند العرب- ثم أخذ السيف وقاتل حتى قتل وهو ينشد:

فليس على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما

تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما

يقول: أحسن الحياة أن أتقدم قبل أن أقتل وأنا مهزوم، فهي خيبة في الدنيا وخيبة في الآخرة.

يقول السموءل، وهو يهودي كان يسكن خيبر، وقد أقر له الناس بالشجاعة، وقد يوجد في اليهود شجعان، والجبن صفة عامة فيهم، لكن النادر لا حكم له، فقد يخرج منهم اليوم شجاع، وبالأمس شجاع مثل مرحب والسموءل، فهو يقول:

يقرب حب الموت آجالنا لنا وتكرهه آجالهم فتطول

وإنا لقوم لا نرى القتل سبة إذا ما رأته عامر وسلول

وعامر وسلول جارتاه من القبائل، ترى الموت سبة أما نحن فنراه مدحاً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>