[اهتمام النبي بالقرآن والحث عليه]
قال هشام بن سعد بن عامر سألت عائشة رضي الله عنها وأرضاها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: {كان خلقه القرآن} وهي أبلغ كلمة بعد كلام الله عز وجل في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان قرآناً يمشي على الأرض، إذا قرأت القرآن فكأنه ترجمة حية للمصطفى صلى الله عليه وسلم، فالله يقول له في القرآن: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] ويقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩] ويقول له: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:١٩٩] ويقول له: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨].
الرسول صلى الله عليه وسلم علم الناس كيف يعيشون بالأحاديث التي لا يقرأها المسلم إلا ويتحرك قلبه إلى المصحف، في صحيح مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه وأرضاه قال: يقول عليه الصلاة والسلام: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} وهذا من أبلغ الأحاديث في الإسلام، وإذا شفع لك القرآن فنعمة وقرة عينٍ لك، ويا سعادة قلبك ويا شجى روحك يوم تأتي والقرآن يقودك إلى الجنة، يشهد لك أنك أحللت حلاله وحرمت حرامه، ووقفت عند حدوده، وأنك آمنت، وعملت بمحكمه وآمنت بمشابهه.
وعن عثمان رضي الله عنه وأرضاه كما في البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه} إي والله! خيرنا وأمجدنا وأعزنا وأشرفنا من عاش مع القرآن، فهذه أوسمة أنزلها الله في الأرض، ليست أوسمة أهل التراب، ولا أهل المادة الذين يشرفون الإنسان بقدر جاهه أو منصبه أو ولده.
ولذلك كان عليه الصلاة والسلام ينزل الناس على قدر قربهم من القرآن، فكان يكرمهم على قدر حفظهم لكتاب الله عز وجل وتلاوتهم له، وعلى قدر حفظهم لهذا الكنز الذي أنزله الله هدايةً للناس.
يقول أنس: {أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سريةً تغزو في سبيل الله} فهي خرجت ترفع لا إله إلا الله، يوم يقاتل الناس على الحطام، ويحاربون على الأعلام والأوسمة كان صلى الله عليه وسلم يقاتل لترتفع لا إله إلا الله.
من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا
كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا
فلما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم السرية: {سألهم: أيكم يحفظ القرآن؟ فسكتوا، قال: أيحفظ أحدكم شيئاً من القرآن؟ قال رجلٌ منهم: أنا يا رسول الله! قال: ماذا تحفظ؟ قال: أحفظ سورة البقرة، قال: اذهب فأنت أميرهم} هذه مؤهلات أهل الإسلام وأهل لا إله إلا الله، وأهل الإقبال على الله، ما دام أنك تحفظ سورة البقرة وهي في صدرك، وأنت تعيش معها وتعمل بمقتضاها، فأنت أمير الجيش.
ويقول جابر رضي الله عنه وأرضاه: {كان صلى الله عليه وسلم يسأل عن القتلى يوم أحد أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير إلى رجلٍ أنه أكثر حفظاً قدمه تجاه القبلة، ثم وضع الناس بعده} ويوم أحد يومٌ جعله الله عز وجل من أيامه التي شهد الله فيه للصالحين من عباده، ويوم أحد يوم أهل القرآن هو ويوم اليمامة، والد جابر بن عبد الله عبد الله بن عمرو الأنصاري كان ممن يحفظ كثيراً من القرآن، فنفعه القرآن أيما نفع، فهو لم يتوسد القرآن، وما جعل القرآن تأكلاً أو طلباً للمعاش وللمنصب وللجاه في الناس؛ لأن من الناس -نعوذ بالله أن نكون منهم- من يقرأ ليقال: قارئ، وفي صحيح مسلم: {}.
أما عبد الله بن عمرو الأنصاري ما قرأ القرآن ليقال قارئ، لكن قرأ ليرفعه القرآن، وليقوده ويصلح حاله.
حضرت معركة أحد فاغتسل في الصباح ولبس أكفانه.
أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا
ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى
أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا
فلما لبس الأكفان سأل الله الشهادة، وأوصى ابنه جابر بالنساء وكن سبعاً، وحضر المعركة وقتل في أول الناس، لأنه صادق: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩] {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:٢١] فعلم الله أنه كان صادقاً، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من سأل الله الشهادة بصدقٍ بلَّغه الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه}.
وفي صحيح البخاري في كتاب الجهاد، وفي كتاب الجنائز ذكر البخاري (باب البكاء على الميت) ثم أورد طرفاً من القصة، فلما قتل أتى ابنه جابر يبكي عنده، قال: {فكان الناس ينهونني ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاني}.
وفي تفسير قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٦٩ - ١٧١] قال عليه الصلاة والسلام: {يا جابر! أتدري ما فعل الله بأبيك؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: والذي نفسي بيده! لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان فقال: تمن يا عبدي! قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمن، قال: أتمنى أن ترضى عني، فإني قد رضيت عنك، قال: إني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً، فجعل الله روحه وأرواح إخوانه من الشهداء في حواصل طير ترد الجنة، فتشرب من مائها وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش حتى يرث الله الأرض وما عليها}.