[ما يعتمد من الكتب في العلوم]
قال شيخ الإسلام وهو يواصل وصيته وجوابه على سؤال السائل، في الفقرة الرابعة عن كتاب مفيد في علم الحديث، وفي العلوم الشرعية، "وأما ما تعتمد عليه من الكتب في العلوم فهذا بابٌ واسع، وهو أيضاً يختلف باختلاف الناس في البلاد" فقد يتيسر له في البلاد من العمل أو من طريقه ومذهبه ما لا يتيسر له في بلدٍ آخر، "لكن جماع الخير أن يستعين العبد بربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، في تلقي العلم الموروث عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام"، وأقول: العلم صراحةً هو علم الكتاب والسنة الذي تنجو به في الآخرة، ولكن للإنسان أن يكون له حدٌ أدنى من هذا العلم، ينفع به نفسه، ولا يعذر معتذرٌ بتخصصه أو بعمله، فلا بد أن يأخذ ما تقوم به عبادته، ليلقى الله وقد عبده على بصيرة.
قال: "وأما وصف الكتب والمصنفين فقد سمع منا في أثناء المذاكرة ما يسره الله"، يقول: ربما سمعت في أثناء الدروس منا ما يسره الله، وما في الكتب المصنفة المبوبة مثل كتاب محمد بن إسماعيل البخاري -لله دره، وما أحسن ذاك الكتاب- لكن هو وحده لا يقوم بأصول العلم، ولا يقوم بتمام المقصود للمتبحر في أبواب العلم إذ لابد من معرفة أحاديث أخر" فلابد أن تطلع على السنن، والمسانيد، وخاصةً مسند الإمام أحمد الذي جمع الستة إلا القليل وزاد، وهو كتابٌ عظيم، وبحرٌ واسع، ودرٌ وجوهر.
قال: "ولا يقوم بتمام المقصود للمتبحر في أبواب العلم، إذ لابد من معرفة أحاديث أخر، وكلام أهل العلم وأهل الفقه في الأمور التي يختص بها بعض العلماء، وقد أوعبت الأمة -يعني أكثرت في كل فنٍ من فنون العلم إيعاباً- فمن نور الله قلبه هداه بما يبلغه من ذلك، ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرةً وضلالاً" بعض الناس عنده مكتبة في بيته ملء المجلس، ولا يصلي الفجر جماعة، وبعضهم عنده مكتبة، ويعصي والديه، وبعضهم عنده مكتبة ويرتكب الكبائر: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:٥] {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:١٧٦].
وليس العلم بالكثرة، لكن العلم نورٌ يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده، فرأس العلم خشية الله، ومن قام بأمور الإسلام فهو العالم، قال: ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرةً وضلالاً، القرآن وهو القرآن قال الله عز وجل: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} [فصلت:٤٤] يقول: المنافق إذا قرأ القرآن يزداد عمى، مثل الناظر الأعشى إذا نظر إلى الشمس، لا تستطيع عيونه أن تثبت في الشمس، لكن صاحب البصيرة، يزيده الله بالكتب وسماع الأشرطة، والجلوس في مجالس أهل الفضل والعلم والمحاضرات والدروس بصيرة ونوراً ويزيده أجراً ومثوبة.
ويا أيها الإخوة! أنا أدري أن مثل هذه المجامع العامة، قد يقول قائل: لو جلست في بيتي وقرأت بنفسي، ولخصتُ وخرجت وحققت لكان أنفع لي، فأقول: قد يكون هذا، لكنك لن تنال الأجور إلا بالجلوس في هذه المجالس بغض النظر عن هذه الفائدة المباشرة.
أولاً: يذكرك الله فيمن عنده.
ثانياً: يباهي بك ملائكته.
ثالثاً: تغشاك السكينة، وتحفك الرحمة، وتنزل عليك الملائكة.
رابعاً: في آخر المجلس، يقول الله لمن جلس على ذكره: {قوموا مغفوراً لكم فقد أرضيتموني ورضيت عنكم}.
وأنا أطلب من الإخوة الكرام وأنا أعرف أنكم صفوة الناس، والجالسون أمامي هم الزبدة من المجتمع، والله يحفظ العباد والبلاد بكم وبأمثالكم، فأقول لكل أخٍ يريد الله والدار الآخرة، إذا أراد حضور محاضرة، أو درس، لأي طالبٍ أو داعية أن يأخذ معه أخاً آخر، فقط أن يدعوه في محاضرة واحدة لأنه قد يستقيم منهجه ويهتدي، ويكفي الأخ أن يحضر وينظر إلى هذه الوجوه، وهذا الجمع، فيتحول مسار حياته، وبعض الشباب كان مدمن مخدرات، وأخذه بعض الشباب، وحضروا به بعض المحاضرات واهتدى، وأصبح عبداً لله، فكل واحد عليه أن يأتي بواحد فقط وتذكروا دائماً: {لأن يهدي بك الله رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم}.
يعني أدعه إلى درس أو محاضرة، ثم أدعه إلى العشاء عندك، تكون هذه ضريبة إن استطعت ذلك، وإن لم تستطع، فالله المستعان: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَه} [البقرة:٢٨٦].
قال: ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرةً وضلالاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي لبيد الأنصاري: {أوليس التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى؟ فماذا تغني عنهم؟} هذا الحديث عند أحمد بسندٍ صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام {نظر في السماء وقال: هذا أوان قبض العلم} قال أبو لبيد الأنصاري: {يا رسول الله! كيف يقبض العلم؟!! والله لنقرئن القرآن أبناءنا، وليقرئنه أبناؤنا أبناءهم، قال: ثكلتك أمك يا زياد! كنتُ أظنك أفقه رجل من أهل المدينة، هذه التوراة، وهذا الإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا نفعتهم؟!} يعني ما نفعتهم زيادة الكتب، إذا لم تكن بعملٍ صالح، بل إنها لا تكون إلا خيبة وحيرة وضلالاً، وحسابهم على الله.
لقد زرت كثيراً من الإخوة، وعند كل واحد منهم مكتبة في بيته، لكنه لا يقرأ إلا اليسير منها، أو ما يستطيع أن يلم بالكثير بها، وهي تبقى معطلة، كأنها مختوم عليها، وابن تيمية يجعل رصد الكتب وتخزينها بلا استفادة من كتمان العلم.
افتتحت عندنا مكتبة في المسجد هنا طولها ستة عشر متراً في أربعة تأخذ مئات الكتب والمجلدات، وقلت للناس: من كانت عنده كتب فليوقفها باسمه، وإذا احتاجها في أي يوم فليخرجها، وهي لا تخرج من المكتبة، لكن يستفيد منها شباب الإسلام الذين يدرسون في الصيف، وكلما قرأوا حرفاً كان لك أجر، وكنت أنت المنفق، وكان ميراثاً لك: {إذا مات ابن آدم انقطع عمله، إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له} هذه وصية ابن تيمية رضي الله عنه وأرضاه، ورحمه الله، وجمعنا به في دار الكرامة، وهي من أعظم الوصايا، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن إذا استمع القول اتبع أحسنه.