للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إلقاء التهم على الملتزمين]

الثاني والعشرون: وصف المستقيمين بالتطرف والتزمت والتشدد.

أنا الآن أقف أمامكم، وأنا أسألكم بالله العلي العظيم إذا كانت مدرسة أحمد بن حنبل؛ مدرسة أهل السنة والجماعة، ومدرسة ابن القيم، ومدرسة ابن تيمية، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، المدرسة الإسلامية التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلم متطرفة متشددة متزمتة، ففي من يكون العدل؟! وفي من يكون الإنصاف؟! وفي من يكون التوازن؟! هل سمعتم أحداً ممن مكن في العلم وقامت قدمه يكفر مسلماً؟ هل سمعتم عالماً أو داعية يحرم حلالاً؟ تشويه، متطرفون، متزمتون، متشددون.

أسألك بالله أليس شرفاً أن تكون متبعاً لمحمد صلى الله عليه وسلم؟!

والتعليقات الآن عند الرأي العام على الملتزمين فقط.

وتجد الآن من يخالف السنة، أو يشرب الخمر، أو يشتغل بتناول المخدرات أو يكون مروجاً لها أو يسمع الأغنية المحرمة التي أجمع أهل العلم على تحريمها أو يسهر الليالي الحمراء، أو يضيع وقته، أو لا يحضر صلاة الجماعة، أو يهجر القرآن، أو يحلق لحيته، أو يطيل ثوبه، ومع ذلك لا يجد لائمة من الرأي العام، لكن الشاب الملتزم بسبب تغير وانتكاس المفاهيم، وعدم عقلانية الناس إلا من رحم ربك؛ حين يحافظ على الصلوات الخمس، ويقصر ثوبه، ويترك لحيته؛ لأنه يحب القائمة البيضاء، محمداً وأبا بكر وعمر وعثمان وعلياً، والله الذي لا إله إلا هو لولا هذه القائمة بعد الله كانت أنوفنا في التراب والطين.

هل عندنا تاريخ غير محمد صلى الله عليه وسلم وهذه القائمة؟! بهم نباري الأمم، لا يستطيع أحد منهم أن يقول كلمة يستنقص بها واحداً منهم؛ حتى أرغمت على الحقيقة أنوفهم إرغاماً.

هارف في كتابه الأوائل يقول -وقد كررت قوله وأكرره والحقيقة تفرض نفسها-: أجدني مضطراً أن أقول: إن العظيم الأول في العظماء المائة في العالم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف لا نباهي الناس ولا نفتخر أننا من أتباعه؟! لكن تجد الشاب يأتيني أو يأتي غيري من الإخوة الدعاة قال: والله يا أخي! أنا والله خجلان أريد أن أطلق لحيتي، لكن أبي وإخواني يستهزئون بي وفي جزيرة العرب أو في البلاد الإسلامية عموماً يستهزئون بك، قال: وأنا أريد أن أقصر ثوبي، لكن إخواني والجيران ربما يضحكون علي في المجالس، سبحان الله!! يضحكون عليك لأنك اتبعت الرسول صلى الله عليه وسلم؟! أصبح هؤلاء هم المعنيون بالتعليقات المرة التي لا يستحي منها أصحابهم، والله العظيم إنه لشرف لنا وللمسلمين أن يرى الإنسان هذه المسيرة.

يخبرني أحد الدعاة المشهورين يقول: رأيت في الجزائر مسيرة خرجت بعد صلاة الجمعة، قال: وإذا هم على منهج أهل السنة والجماعة، اللحى والثياب والزي الإسلامي، قال: فبكيت والله حتى سالت دموعي من رأس لحيتي، ومن يستطيع ألا يبكي؟! أنا سمعت أحدهم في هيئة الإذاعة البريطانية فيسألونه واسمه عبد القادر، يقولون: إنكم سوف تكونون مصدر شقاء للشعب الجزائري؟ قال: سبحان الله، الدين الذي أنزله الله سعادة للبشر أيكون شقاءً للإنسان؟! يقول سبحانه وتعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:٥٠] أي أن الأفكار الغربية والشرقية المستوردة هي شقاء للإنسان والشريعة الإسلامية هي السعادة، وكيف لا يفرح العبد حين يرى الألوف المؤلفة اتجهت إلى الله عز وجل، وصلَّت وكبرت، وأحبت محمداً صلى الله عليه وسلم؟! لكنها التربية الماكرة التي صنعها العميل من وراء الستار، وأخرجها للناس، وجعلها هي الحل، وجعلها هي الأصل، وجعل غيرها طارئاً عليها.

ما كنت أظن حتى في المجتمعات القبلية أنهم يلومون الشباب إذا اقتدوا بالسنة، المجتمعات التي كان الواحد منهم إذا قال له: تعدني أن تأتي؟ قال: نعم، قال: ماذا بيني وبينك؟ قال: هذه وجعل يده على لحيته، وإذا قال له في أمر جعل يده على لحيته، معناها: قطع الرءوس ودون ذلك خرط القتاد، إذا وضع يده على لحيته، فهي الخطورة القصوى التي لا بد أن تنفذ، يقول أحدهم: إذا ما تم هذا الأمر فاحلقها فيقول: لا.

مصانة مكرمة، والآن تحلق مجاناً، معذرةً لا أريد جرح الشعور، وأنا أعرف أن بعض الناس يحضر معي عندهم إيمان ومتبعون ولكنهم أخطئوا في حلق اللحى، أنا لا أريد أن أعلق عليهم، ولا أريد أن أجرح مشاعرهم، هم إخواني وزملائي، ووالله إني أحبهم لأصل الإيمان في قلوبهم؛ لكن أرجوهم اتباع محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥] أخشى أن يخرجوا ويقولون: كفرنا، أو فسقنا، أنا أقول: أخطئوا وعصوا ولا بد أن يتوب الله علينا وعليهم وهم إخواننا وأبناء عمومتنا، لكن والله نريد أن يكتملوا في اتباع سنته عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أتى بسنةٍ لا بد أن تكون ظاهرة وباطنة، تقولها قوية: أنا مسلم متبع للسنة ولا تخجل من أحد؛ لأنك على الحق وغيرك على الباطل، يقول سبحانه وتعالى في الجبناء السفهاء من المنافقين: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء:٨].

فنصيحتي لإخواني: أن يتحملوا الاستهزاء والاستخفاف والاحتقار والتعليق، ويعلموا أنها في ميزان الحسنات، قال سبحانه وتعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:٢ - ٣].

<<  <  ج:
ص:  >  >>